مشقة ، ويؤيده قوله فى رواية ابن عباس حاسرا عن رأسه ، إذ المراد المصابرة على ذلك ، وينبغى فى رواية حسر الرأس أن يحمل على الاستطاعة وعدم الضرر ، وأما من تضرر بكشف الرأس أو خشى الضرر فالأفضل له تغطية رأسه ، فإن الحرج مدفوع شرعا ، والله الموفق.
ومنها : عند خلو المطاف لأنه حينئذ يكون قائما بهذه العبادة العظيمة من غير مشارك له فى سائر أقطار الأرض ، وكذلك قال العلماء لو حلف ليعبدن الله بعبادة لا يشركه أحد فيها ، فالخلاص أن يخلى له المطاف فيطوف به وحده.
فوائد :
الأولى : إن قيل ما العلة فى جعل الكعبة على يسار المطاف دون يمينه ، وما الحكمة فى ذلك؟ (اعلم) أن العلة فى ذلك اجتماع القلبين فى جهة واحدة لأن القلب بيت الرب والقلب فى الجانب الأيسر. قال الجد رحمهالله : قلت : وقد يقال أيضا فى وجه المناسبة إن المستحب فى ابتداء الطواف استقبال الحجر الأسود الذى هو يمين الله فى الأرض ، وحينئذ فشقه الأيمن إلى جهة باب البيت ، وشقه الأيسر إلى جهة الركن اليمانى ، والانفتال إلى جهة اليمين أولى من الانفتال إلى جهة اليسار. ويستأنس لذلك بأن داخل المسجد يستحب له أن يبدأ برجله اليمنى والبداءة بجهة الشق الأيمن يبتدأ فيها بالرجل اليمنى حيث مشى على الأسلوب المعتاد ، وأيضا لإخفاء أن جهة الباب أفضل الجهات فجهة الركن اليمانى بالنسبة إليها مفضولة والمسارعة إلى الأفضل أفضل من المسارعة إلى المفضول. انتهى.
الثانية : قال بعض العلماء : إنما يجعل الطائف البيت على يساره ، ويبتدئ بالحجر الأسود لأن الحجر إذا استقبلت البيت من ثنية كداء من باب بنى شيبة يبقى فى ركن البيت على يسارك وهو يمين البيت ، لأنك إذا قابلت شخصا فيمينه يسارك ويسارك يمينه والذى يلاقيك من البيت هو وجهه لأن فيه بابه ، وباب البيت وجهه أى بيت كان ، والأدب أن لا يؤتى الأفاضل إلا من قبل وجوهم ولأجل ذلك كان الابتداء بثنية (١) كداء ، والأصل فى كل قربة يصح فعلها باليمين واليسار أن لا تفعل إلا باليمين كالوضوء وغيره.
__________________
(١) تحرف فى المطبوع إلى : «كان الابتدائية كدا».