الباب السادس
فى فضل مكة زادها الله شرفا وتعظيما
وحكم المجاورة بها وذكر شىء مما ورد فى ذلك
قال الله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (سورة البقرة : ١٢٦) يعنى مكة. قال النسفى : أى اجعل هذا البلد أو المكان بلدا آمنا أى ذا أمن ، أو آمنا من فيه فهذا مفعول أول وبلدا مفعول ثان وآمنا صفة له.
وقال تعالى فى سورة إبراهيم أيضا : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (سورة إبراهيم : ٣٥) بصيغة التعريف والمراد مكة والفرق بين هذه وبين ما فى البقرة أنه سأل فى الآية الأولى أن يجعله من جملة البلاد التى يأمن أهلها وفى هذه الآية أن يخرجه من صفة الخوف إلى الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا. كذا فى «المدارك».
وفى «تفسير الكواشى» إنما عرف هنا ونكر فى البقرة لأن النكرة إذا عينت تعرفت. وقيل دعا مرتين فحكيتا. وقوله بواد غير ذى زرع هو مكة لأنه لم يكن بها يومئذ ماء ولا حرث فكانت هاجر ترضع إسماعيل وتأكل من التمر وتشرب من الماء اللذين جاءت بهما معها إلى أن نفدا وسيأتى الكلام على ذلك فى محله فى فضائل زمزم مستوفى إن شاء الله تعالى. وقال جل وعلا (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) (سورة النحل : ١١٢) الآية ، يعنى مكة شرفها الله تعالى. قال القرطبى : ضربها الله مثلا لغيرها من البلاد أى أنها مع جوار بيت الله وعمارة مسجده لما كفر أهلها أصابهم القحط ، فكيف بغيرها من البلاد. انتهى.
وكانت العرب قد قطعت على قريش وكفار مكة الميرة بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وابتلاهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الميتة وكان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر الناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون كذا فى «المعالم».
وقيل فى تفسير قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (سورة الدخان : ١٠)