فائدة : قال ابن حزم التفضيل المذكور لمكة ثابت لعرفة أيضا وان كانت من الحل.
فصل
واعلم أن لمكة أسماء كثيرة (١) قد ذكرها الله تعالى فى ثمانية مواضع من القرآن العزيز وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. قال النووى رحمهالله : لا يعلم بلد أكثر اسما من مكة والمدينة لكونهما أفضل بقاع الأرض وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية.
فالأول : مما فى التنزيل مكة ، وذلك فى سورة الفتح فى قوله (بِبَطْنِ مَكَّةَ.)
الثانى : بكة وذلك فى سورة آل عمران قوله تعالى (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) واختلف فى هذين الاسمين هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ، فعن الضحاك ومجاهد أنهما بمعنى واحد. وصححه ابن قتيبة محتجا بأن الباء تبدل من الميم كقولهم ضرب لازم ولازب وسبد رأسه وسمده إذا استأصله ، واختلف القائلون بالثانى فقيل بكة بالباء موضع البيت. قاله ابن عباس وإبراهيم النخعى ، وقيل ما بين الجبلين قال عكرمة وقيل الكعبة والمسجد قاله الجوهرى وزيد بن أسلم وأما بالميم فقيل القرية ، وقيل الحرم كله ، وقيل ذى طوى ، وقيل ما حوالى البيت واختلف فى اشتقاقها ، فقيل سميت مكة لأنها تمك الجبابرة أى تهلكهم وتذهب نخوتهم وأنشدوا فى معناه :
يا مكة الفاجر مكى مكا |
|
ولا تمكى مذحجا وعكا |
وقيل إنها تمك الفاجر عنها أى تخرجه ، وقيل إنها تجهد أهلها مأخوذ من قولهم تمككت العظم إذا أخرجت مخه ، والتمكك الاستقصاء. وقيل لأنها تجذب الناس إليها من قول العرب امتك الفصيل ضرع أمه : إذا امتصه ، ولم يبق فيه شيئا ، وقيل لقلة مائها ، وقيل لأنها تمك الذنوب أى تذهب بها ومكة لا تنصرف للعلمية والتأنيث. وأما بكة فقيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أى تدقها ما قصدها جبار بسوء إلا قصمه الله وقيل لازدحام الناس فيها يبك بعضهم بعضا ، أى يزحمه فى الطواف قاله ابن عباس ، وقيل لأنها تضع من نخوة المتكبرين.
__________________
(١) انظر فى ذلك : شفاء الغرام ج ١ ص ٧٥ وما بعدها ، منائح الكرم ج ١ ص ٢١٣.