الباب التاسع
فى ذكر مبدأ بئر زمزم (١) وسبب حفر عبد المطلب لها
وفضل مائها وأفضليته وبركته وخواصه وما ورد فى ذلك
اعلم أن بئر زمزم تنسب إلى سيدنا إسماعيل صلوات الله عليه وسببه أن سيدنا إبراهيم الخليل عليهالسلام لما هاجر بإسماعيل وأمه من الشام إلى مكة شرفها الله تعالى وكانت إذ ذاك ترضعه وضعهما تحت دوحة ، وهى شجرة كبيرة وليس معهما إلا شنة فيها قليل ماء ولم يكن بمكة يومئذ أحد ولا بها ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ثم ذهب راجعا إلى الشام فتبعته أم إسماعيل فقالت له : يا إبراهيم ، إلى أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس به أنيس؟ وجعلت تردد ذلك مرارا وإبراهيم لا يلتفت إليها. فقالت له : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا ، ثم رجعت عنه.
فانطلق إبراهيم عليهالسلام حتى إذا غاب عن البصر وقف واستقبل البيت ورفع يديه ودعا بالآيات (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ) إلى قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ثم مضى سائرا وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء ولبنها يدر على صبيها إلى أن نفد فعطشت وعطش ابنها وصار يتلوى ، وفى رواية يتلبط فانطلقت كراهة أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادى ورفعت طرف درعها ثم سعت أى جرت ـ سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادى ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات فكان فعلها ذلك سبب السعى بين الصفا والمروة.
فلما أشرفت على المروة آخرا ولم يكن فى الوادى غيرها سمعت صوتا فقالت : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت ، فإذا الصوت فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هى
__________________
(١) انظر فى بئر زمزم : أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٣٩ وما بعدها ، شفاء الغرام ج ١ ص ٣٩٧ وما بعدها.