وقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت تحت خفها عين ماء عذب ، فكبّر عبد المطلب ، وكبّر أصحابه وشربوا جميعا ، وقالوا : قد قضى لك علينا الذى سقاك ، فوالله لا نخاصمك فيها أبدا (١).
فرجعوا وخلوا بينه وبين زمزم ، وكفاه الله شرهم ، فنذر عند ذلك لئن رزق عشرة من الذكور يمنعونه ليتقرب إلى الله بذبح أحدهم. فلما تم له عشرة من الذكور أعلمهم بنذره ،فقالوا له : أوف بنذرك واقض فينا أمرك ، فأسهم بينهم فخرج السهم على عبد الله أبى النبىصلىاللهعليهوسلم ، فأراد أن يذبحه فمنعته قريش وأخواله من بنى مخزوم لئلا يكون ذلك فيهم سنة ، فتحاكموا إلى كاهن كان بالمدينة ، وقيل كاهنة ، فأفتاهم بأن يسهم على عبد الله وعلى عشرة من الإبل ، وكانت عندهم إذ ذاك دية الرجل ففعل عبد المطلب ذلك ، فخرج السهم على عبد الله أيضا ، فقال له الكاهن : زد عشرا أخرى فإن ربك لم يرض ، فزاد فخرج السهم على عبد الله فأمره الكاهن بزيادة عشرة أخرى فزاد ، وفى كل ذلك يخرج السهم على عبد الله حتى بلغ العدد مائة من الإبل فخرج السهم حينئذ على الإبل ، فقال له الكاهن : أعد القرعة ، فأعادها فخرج على الإبل ، ثم أعادها ثالثا ، فخرج على الإبل ، فقال له الكاهن : قد رضى ربك فانحرها فداء عن ابنك ، ففعل فاستمرت الدية فى قريش مائة من الإبل من يومئذ (٢).
ثم جاء الشرع فقررها دية لكل واحد من المسلمين ، واستمرت زمزم لا يصد عنها أحد ولا يمنع إلى يومنا هذا كما ترى.
ويروى أن عبد المطلب لما حفر زمزم وجد غزالين من ذهب يقال : إن جرهما دفنتهما حين خرجوا من مكة ، ووجد أسيافا وسلاحا ، فأرادت قريش أن يشاركوه فيها فامتنع وضرب بالقداح ، فخرج الغزالان للكعبة والسلاح لعبد المطلب ، ولم يخرج لقريش شىء بل تخلف قدحاها فضرب الأسياف التى خرجت له مع أحد الغزالين على باب الكعبة ، وجعل الغزال الآخر فى الجب الذى فى بطن الكعبة ، فكان ذلك أول حلية للكعبة. أخرجه الأزرقى(٣).
__________________
(١) منائح الكرم ج ١ ص ٤٠٥.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٤٧ وما بعدها.
(٣) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٤٦.