وقوله فى الآية السابقة : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) (سورة ال عمران : ٩٦) أى كثير الخير لما يحصل لمن حجه أو اعتمره أو عكف عنده أو طاف حوله من الثواب.
وانتصاب مباركا على الحال. قال الزجاج وغيره : المعنى استقر بمكة فى حال بركته وهو حال من وضع ، وقوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) (سورة ال عمران : ٩٧) قال النسفى فى «تفسيره» : أى علامات واضحات لا تلتبس على أحد.
ومقام إبراهيم : عطف بيان لقوله آيات بينات ، وصح بيان الجماعة بالواحد ، لأنه بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله تعالى ونبوة إبراهيم عليهالسلام من تأثير قدمه فى صخر صلد ، أو لاشتماله على آيات ، لأن أثر القدم فى الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية ، وإبقاءه دون سائر آيات الأنبياء عليهمالسلام آية لإبراهيم خاصة.
وقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (سورة ال عمران : ٩٧) عطف بيان لآيات ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن داخله. والآيتان فى معنى الجمع ، ويجوز أن تذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهم دلالة على تكاثر الآيات ، فكأن المعنى مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثير سواهما ، ونحوه فى طى الذكر قوله صلىاللهعليهوسلم : «حبب إلى من دنياكم ثلاث» وقيل إن لفظ ثلاث موضوعة لا أصل لها فى الحديث ، كما صرح به بعض أئمة الحديث «الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة» فقرة عينى ليس من الثلاث ، بل هو ابتداء كلام لأنها ليست من الدنيا ، والثالث مطوى. انتهى باختصار.
مطلب : أول مسجد وضع بالأرض المسجد الحرام
وعن أبى ذر رضى الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أى؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم كان بينهما؟ قال : أربعون عاما.
وفى ذلك إشكال أشار إليه جدى ـ أى جد المؤلف قاضى القضاة شيخ الاسلام خطيب المسجد الحرام فخر الدين أبو بكر بن على بن ظهيرة الشافعى تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوح جنته ـ فى منسكه المسمى «بشفاء الغليل فى حج بيت الله الجليل» وهو أن