مسجد مكة بناه إبراهيم عليهالسلام بنص القرآن (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ) (سورة البقرة : ١٢٧) الآية. والمسجد الأقصى بناه سليمان كما جاء فى حديث ابن عمر ، أخرجه النسائى بإسناد صحيح. وبين إبراهيم وسليمان زمان طويل يزيد على ألف سنة كما قاله أهل التواريخ ، فكيف قال فى الحديث : بينهم أربعون سنة؟ والجواب عن ذلك بأنه يحتمل أن ابراهيم وسليمان إنما جددا ما بناه غيرهما كما سيأتى آنفا من أن أول من بنى البيت آدم ، فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس بعده بأربعين عاما. ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن من الله تبارك وتعالى ، فعلى هذه الأقاويل يكون قوله تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) وضع على ظاهره ، وهو الذى عليه جمهور العلماء وصححه النووى. انتهى بمعناه.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) (سورة البقرة : ١٢٥) المراد بالبيت الكعبة ، لأنه غالب عليها كالنجم للثريا. ومثابة : قال النسفى : مباءة ومرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه.
وأمنا موضع أمن ، فإن الجانى يأوى إليه فلا يتعرض له حتى يخرج ، وهو دليل لنا فى الملتجئ إلى الحرم. انتهى.
وأصل الثوب لغة : الرجوع ، ومن ذلك قوله تعالى عقب هذه الآية : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) (سورة البقرة : ١٢٥) الآية ، المعنى : طهراه من الأوثان والأنجاس والخبائث كلها. والمراد بالطائفين : الدائرون حوله. وبالعاكفين : قيل : المجاورون الذين عكفوا عنده أى أقاموا لا يبرحون.
وقيل : المعتكفون ، وقيل : الطائفون النزاع إليه من البلاد. والعاكفون : المقيمون عنده من أهل مكة.
مطلب : قبلته صلىاللهعليهوسلم
ومن ذلك قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) (سورة البقرة : ١٤٣) ثم قوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) (سورة البقرة : ١٤٤) الآيات.