واختلف هل بناء الملائكة قبل آدم أو بناء آدم قبل الملائكة. وذكر الأزرقى رحمهالله ما يشهد للقولين (١).
فى «منسك» الجد نوّر الله ضريحه : بنيت الكعبة الشريفة خمس مرات : الأولى : بناء الملائكة ، الثانية : بناء آدم عليهالسلام ، الثالثة : بناء إبراهيم عليهالسلام ، الرابعة : بناء قريش فى الجاهلية. الخامسة : بناء ابن الزبير ثم هدم الحجاج بعضه وبناه. قال الجد رحمهالله : وهذا هو المشهور المعروف.
وأخرج الفاكهى عن على كرم الله وجهه أن أول من بنى البيت الخليل عليهالسلام وجزم به ابن كثير فى «تفسيره» وقال لم يجئ خبر عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبله.
وقال فى «تاريخه» عند قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) (سورة آل عمران : ٩٦) الآية. يذكر تعالى عن عبده وخليله أنه بنى البيت العتيق الذى هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه ، وبوأه مكانه ، أى أرشده إليه ودله عليه. وعن على وغيره أنه أرشده إليه بوحى من الله ولم يجئ خبر صحيح عن معصوم. وذكر ما تقدم ، ثم قال : ومن تمسك فى هذا بقوله تعالى (مَكانَ الْبَيْتِ) (سورة الحج : ٢٦) فليس بناهض ولا ظاهر ، لأن المراد مكانه الكائن فى علم الله المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمن إبراهيم. وقد ذكر أن آدم نصب عليه قبة ، وأن الملائكة قالوا له : قد طفنا قبلك بهذا البيت ، وأن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك. وكل هذه أخبار عن بنى إسرائيل وهى لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها (٢). انتهى.
أقول : فعلى هذا يكون بناء البيت ثلاث مرات ، الأولى : الخليل عليهالسلام ، الثانية : بناء قريش ، الثالثة : بناء ابن الزبير والحجاج ، لأن بناء الخليل ثابت بنص الكتاب ، وبناء قريش ثابت فى «صحيح البخارى» وغيره ، وبناء ابن الزبير والحجاج ذكره عامة المفسرين وأهل التواريخ وغيرهم من العلماء.
ويحتمل أن يقال أيضا أن الكعبة بنيت أربع مرات : الأولى : بناء الملائكة وآدم معا فى آن واحد ، ويشهد له ما سيأتى قريبا عن ابن عباس عند ذكر السبب فى بناء آدم عليهالسلام
__________________
(١) أخبار مكة للأزرقى ج ١ ص ٣٢.
(٢) تاريخ ابن كثير ج ١ ص ١٨١ و ١٨٢.