__________________
ـ وحكى عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة ، فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا ، ومن لداره باب أن يغلقه ، وهذا فى أيام الموسم.
قال المجوزون للبيع والإجارة : الدليل على جواز ذلك ، كتاب الله وسنة رسوله ، وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين.
قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ)[الحشر : ٨].
وقال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)[آل عمران : ١٩٥].
وقال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ)[الممتحنة : ٩] فأضاف الدور إليهم ، وهذه إضافة تمليك.
وقال النبى صلىاللهعليهوسلم ، وقد قيل له : أين تنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع» (١) ، ولم يقل : إنه لا دار لى ، بل أقرهم على الإضافة ، وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده ، وإضافة دورهم إليهم فى الأحاديث أكثر من أن تذكر ، كدار أم هانئ ، ودار خديجة ، ودار أبى أحمد بن جحش وغيرها ، وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول ، ولهذا قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «وهل ترك لنا عقيل من منزل» ، وكان عقيل هو ورث دور أبى طالب ، فإنه كان كافرا ، ولم يرثه على رضى الله عنه ، لاختلاف الدين بينهما ، فاستولى عقيل على الدور. ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها ، بل قبل المبعث وبعده ، من مات ، ورث ورثته داره إلى الآن.
وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأربعة آلاف درهم ، فاتخذها سجنا ، وإذا جاز البيع ، والميراث ، فالإجارة أجوز وأجوز ، فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى ، وحججهم فى القوة والظهور لا تدفع ، وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا ، ويجب العمل بموجبها كلها ، والواجب اتباع الحق أين كان.
فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين ، وأن الدور تملك ، وتوهب ، وتورث ، وتباع ، ويكون نقل الملك فى البناء لا فى الأرض والعرصة ، فلو زال بناؤه ، لم يكن له أن يبيع الأرض ، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت ، وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء ، وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة ، فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره ، ويختص بها لسبقه وحاجته ، فإذا استغنى عنها ، لم يكن له أن يعاوض عليها ، كالجلوس فى الرحاب ، والطرق الواسعة ، والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التى من سبق إليها ، فهو أحق بها ما دام ينتفع ، فإذا استغنى ، لم يكن له أن يعاوض ، وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض ، فذكره أصحاب أبى حنيفة.
فإن قيل : فقد منعتم الإجارة ، وجوزتم البيع ، فهل لهذا نظير فى الشريعة ، والمعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع ، فقد يمتنع البيع ، وتجوز الإجارة ، كالوقف والحر ، فأما العكس ، فلا عهد لنا به؟.
قيل : كلّ واحد من البيع والإجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر فى جوازه وامتناعه ، وموردهما مختلف ، وأحكامهما مختلفة ، وإنما جاز البيع ، لأنه وارد على المحل الذى كان البائع ـ