ظاهرا لم يبق ما يقال فيها إلا أن يؤتى فى تفسيرها بما يعلم به معناها فى تدقيقات الحكماء قصدا التمرين قريحة المتعلم وزيادة لافادته ، وأما الحيرة فالغالب أنها إنما تكون من البليد فيلزمه طلب الفهم فيما ذكر فيها ، وأما غيره فالمعانى المذكورة فيها غالبها يفهمه إذا راجع فكره ووجدانه والله وأعلم.
الحقيقة العقلية
(أو عقلية) هذا هو القسم الثانى من قسمى الحقيقة ، يعنى أن الصفة الخارجية الحقيقية إما أن تكون حسية كما مر وإما أن تكون عقلية فهو معطوف على حسية ، والعقلية (كالكيفيات النفسانية) أى : المختصة بذوات الأنفس الناطقة المتعلقة بالباطن ، وإنما أثرت فى الظاهر ثم أشار لبيانها بقوله : (من الذكاء) ، والذكاء شدة قوة العقل المعدة لاكتساب النفس بها الآراء الدقيقة ، فتقول فى التشبيه به هو كأبى حنيفة فى الذكاء ، (و) من (العلم) وهو الإدراك المفسر بحصول صورة الشيء عند العقل ، وتفسير العلم بالحصول يقتضى كونه نسبيا أى اعتباريا ؛ لأن الحصول من الأحوال الاعتبارية بين الحاصل والمحصول فيه فى التحقيق ، والمنهج المشهور فيه أنه معنى ينكشف به الشيء كما هو ، ولذلك قيل : إن الصورة بقيد حصولها فى العقل هى العلم ، وبقيد كونها فى الخارج هى المعلوم ، ورام هذه القائل بهذا أن يجعل العلم وجوديا لا نسبيا ، ولا يخفى أنه لا معنى لكون الصورة علما إلا باعتبار إدراكها وحصولها فيعود لأحد الأولين ، وإن الصورة العلمية على هذا اعتبارية وإلا لزم أن الصور والأمثال وجودية خارجية والبديهة تدفع ذلك ، وقد يطلق العلم على معان أخر ، فيطلق على الملكة كما تقدم أول الكتاب ، وعلى إدراك الكلى فيقابل المعرفة المتعلقة بإدراك الجزئى ، وعلى إدراك المركب فيقابل المعرفة المتعلقة بالبسيط ، فيقال فى التشبيه بالعلم هو كمالك فى علم الفقه وكسيبويه فى علم النحو ، (و) من (الغضب) وهو تغيظ على ما يكره وتكره فى الشيء يوجب غليان دم القلب وتنشأ عنه حركة النفس أى : انبعاثها للانتقام لو لا الحلم ،