فجعل إرادة الانتقام مبدأ لهذه الحركة كجعل الشيء مبدأ لنفسه ؛ إلا أن يراد بالإرادة أول الانبعاث تأمل فيقال : هو كعنترة فى غضبه ، (و) من (الحلم) وهو اطمئنان النفس عند وجود أسباب الغضب ، بحيث لا يحركها ذلك الغضب بسهولة ولا يضطرب للانتقام عند إصابة المكروه الذى هو من أسباب الغضب ، ومعلوم أن الانتقام على قدر الغضب ، ومطلق الغضب لا يحرك الحليم ، وإنما يحركه القوى جدا فيكون الانتقام على قدره ، ولذلك يقال : انتقام الحليم أشد ، فيقال فى التشبيه به : هو فى حلمه معاوية.
(و) من (سائر) أى : باقى (الغرائز) مما سوى الذكاء والحلم ، وملكة العلم أى : العقل ، والغرائز جمع غريزة وهى الطبيعة التى لتمكنها فى النفس كأنها مغروزة فيها ، وهى ملكة متمكنة فى النفس تصدر عنها الأفعال الملائمة لها بسهولة مثل الكرم النفسي أى : الذاتى لا العارض لغرض فيصدر عنه الإعطاء ، ومثل القدرة فتصدر عنها الأفعال الاختيارية من العقوبة وغيرها ، ومثل الشجاعة الذاتية لا العارضة فيصدر عنها بسهولة اقتحام الشدائد وغير ذلك مثل أضدادها فالبخل يصدر عنه المنع مما يطلب وهو فعل ، والعجز يصدر عنه تعذر الفعل عند المحاولة وهو فعل يسند لصاحب العجز ، والجبن يصدر عنه الفرار من الشدائد المتلفة ونحو ذلك ، فيقال عند التشبيه بها مثلا هو حاتم فى الكرم ، وعنترة فى الشجاعة ، ومعتصم فى القدرة ، وظاهره أن الغريزة تختص بما تصدر عنه الأفعال أو ما يجرى مجرى الأفعال ، فلو فرضت طبيعة لا فعل لها لم تكن غريزة كالبلادة ، إلا أن يلتزم أن الغريزة لا تخلو من فعل أو ما يجرى مجراه كعدم العلم بالدقائق فى البليد ، تأمل.
(وإما إضافية) هذا مقابل قوله : إما حقيقية فهو معطوف عليه ، يعنى أن الصفة الخارجية إما أن تكون حقيقية ، وهى التى لها تقرر فى الموصوف الواحد حال كونها مستقلة بالمفهومية ، وقد تقدم أنها قسمان حسية ومعنوية ، وإما أن تكون إضافية أى : نسبية يتوقف تعقلها على تعقل الغير ، فلم تستقل بالمفهومية ، وإذا قوبلت الحقيقية بالنسبية دخل فى الحقيقية الصفة التى لها تحقق حسا كالبياض والسواد ، سواء كان لها وجود كهذه أو لا وجود لها ، ولكن لو وجد موصوفها وجدت كصورة الأنياب للأغوال