طرفا المركب الحسى المركبان
(و) المركب الحسي (فيما) أي : الذي (طرفاه مركبان) هو (كما في) أي : كالوجه في (قول بشار : كأن مثار النقع) (١) النقع الغبار ، ومثار على صيغة اسم المفعول ، فإضافته إلى النقع من إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل كأن النقع المثار ، وهو من آثار الغبار إذا حركه وهيجه ، ويحتمل أن يراعى في الإضافة معنى البيان أي : كأن المثار الذي هو النقع الكائن (فوق رءوسنا. وأسيافنا) منصوب على المعية أي : كأن مثار النقع مع أسيافنا قيل رواية فوق رءوسهم أولى ؛ لأن السيوف إنما تتساقط وتنزل على رءوسهم فهي مع الغبار فوق رءوسهم لا على رءوس أصحاب السيوف المناسب لرواية رءوسنا ، وفيه أن السيوف فيما بين الصعود والنزول هي من رءوس أصحابها إلى رءوس الأعداء ، فالرءوس من الفريقين مشتركة في فوقية السيوف ، وضمير نا يدل على المشاركة فرواية رءوسنا التي هي المشهورة أولى فليتأمل. (ليل تهاوى كواكبه) أي : تتساقط كواكبه شيئا فشيئا بأن يتبع بعضها بعضا في التساقط من غير انقطاع ، ومن لازم ذلك بقاء الكواكب في السماء ليستمر تساقطها ، فتهاوى مضارع حذفت منه إحدى التاءتين : تاء المضارعة أو التاء الموجودة في الماضي على المذهبين المقررين في النحو ، وأما حمله على الماضي ليفيد أن التهاوي قد وقع وانقطع وبقى الليل بلا كواكب ، فشبه به مثار النقع مع السيوف فلا يناسب ما وجد في الشبه من هيئة حركة السيوف ، ويفوت بذلك دقة وجه الشبه التي يقتضيها اختلاف حركة السيوف كحركة الكواكب المستمرة ، كما سيأتي بيانه. نعم يمكن أن يراد هذا الوجه أيضا لهذا المعنى بمراعاة حال التهاوي الفارغ ، ولكن الدال على الحال بالأصالة هو المضارع فالحمل عليه أبين ، وإنما قلنا إن أسيافنا منصوب على المعية ولم نجعله منصوبا بكأن لئلا يتوهم أنهما تشبيهان مستقلان ؛ إذ يتوهم حينئذ التغاير ، وأن المعنى كأن مثار النقع ليل ، وكأن أسيافنا نجومه ، وهذا لا يصح الحمل عليه ؛ لأنه تفوت معه الدقة التركيبة المرعية للشاعر في وجه الشبه ، ولأن قوله : " تهاوى كواكبه" تابع لليل فهو غير مستقل في
__________________
(١) البيت لبشار بن برد ، ديوانه (١ / ٣١٨) ، والمصباح (١٠٦) ، ويروى (رؤوسهم) بدل (رؤوسنا) ، تهاوى : تتساقط ، خفف بحذف إحدى التائين.