ألمت بنا أم كان فى الركب يوشع
أو شعر كما فى قوله :
لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظى
على ما سيأتى بيان ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ ومن سوى بينهما وجعل قوله : هو حاتم إشارة إلى قصة حاتم ، فقد وهم ؛ لأن حاتما لا يشعر بقصة ، وإنما يشعر بالجواد الذى هو كاللازم له الذى قصد ليجعل وجه الشبه هنا ، وتبين أيضا بما قررنا أن وجه الشبه فى هذا التشبيه هو الوجه الرافع للتضاد الموجب للمناسبة ، لا نفس التضاد المشترك للضدين ، فإنا إذا قلنا : هذا ـ مشيرين إلى جبان ـ كالأسد ، وقصدنا أن الذى كان فى وصفيهما لم يفد تمليحا ولا تهكما ، بل بمنزلة قولنا : البياض كالسواد فى تقابلهما وتضادهما وجه التضاد أو فى اللونية الكائنة فيهما ، والكلام هنا فيما يفيد تمليحا أو تهكما ؛ وإنما يفيده إذا قصد أن يكون الوجه هو الأمر الذى تقتضيه المناسبة الرافع للضدية وهو الشجاعة فى المثال حتى إنا لو صرحنا به لقلنا فى الشجاعة ، وكذا إذا قلنا فى بخيل هو كحاتم ، وإنما نجعل الوجه هو الكرم لا الاتصاف بضد ما فى كل ، ولكن لما كان الحاصل فى نفس الأمر فى المشبهين ضد ما ذكر ؛ لأن الحاصل فى المشبه فى الأول الجبن وفى الثانى البخل نزلنا التضاد بين الوصفين كالمناسبة والمماثلة على ما قررنا آنفا ، فتوصلنا بذلك إلى جعل الحاصل فى المشبه هو الشجاعة فى الأول والكرم فى الثانى على وجه التمليح بإظهار المقصود فى نقيضه أو التهكم بإعطاء الأذى فى عكسه ، ومن جعل الوجه هنا هو التضاد المشترك فيه حقيقة فقدسها لما ذكرنا ؛ ولأنه لا معنى حينئذ لكون الوجه منتزعا من التضاد ، إذ هو نفس التضاد ، ولا معنى لانتزاع الشيء من نفسه ، فليفهم.
أداة التشبيه
ولما فرغ من ثلاثة أركان التشبيه شرع فى الرابع منها ، وهو أداته فقال : (وأداته) ، أى : وآلة التشبيه الدالة عليه (هى الكاف) ، وهى الأصل لبساطتها (وكأن) قيل : هى بسيطة ، وقيل : إنها مركبة من الكاف ومن أن المشددة ، والأقرب الأول لجمود الحروف مع وقوعها فيما لا يصح فيه التأويل بالمصدر المناسب لأن المفتوحة ، وإن كان الثانى أشبه بحسب ما يبدو من صورة كأن ، وإذا دخلت الكاف على أن فصل بينها