ويؤيد ذلك ما تقرر فى عرف الناس من أن المقدر كالمذكور ، وإنما القسم الذى لا يوالى فيه الكاف مشبه به ما لم يقدر فيه ولا لفظ به نعم إن ذهب الزاعم إلى تخصيص الموالاة باللفظية صح كلامه ؛ إذ لا حجر فى الاصطلاح ، ولا يقال تقدير المثل هنا لا بد منه كما فى قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ)(١) أى : كمثل ذوى صيب ، فإنهم قدروه به لأنا نقول : قد تقدم أن إعادة الضمائر هنالك أحوجت لتقدير لفظ ذوى ، ولما فتح باب التقدير قدر المثل أيضا ليطابق قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٢) ولو لا ذلك استغنى عن التقدير الذى عدمه هو الأصل فيرتكب ما أمكن ، وههنا لم يفتح باب التقدير المرجوع عن عدمه فأبقى اللفظ على ظاهره لاستفادة المشبه به منه بلا تقدير ، كما قررنا ، فليفهم.
(وقد يذكر فعل) غير الأفعال الموضوعة من أصلها للدلالة على التشبيه لاشتقاقها مما يدل عليه كالمشابهة والمماثلة كما تقدم (ينبئ) ذاك الفعل (عنه) ، أى : عن التشبيه بأن يستعمل فيما يفيد فيه (كما) ، أى : كالفعل (فى) قولك : (علمت زيدا أسدا) ؛ وإنما يستعمل علمت لإفادة التشبيه (إن قرب) ذلك التشبيه بأن يكون وجه الشبه قريب الإدراك فيتحقق بأدنى التفات إليه ؛ وذلك لأن العلم معناه التحقق ، وذلك يناسب الأمور الظاهرة البعيدة عن الخفاء ؛ فلذلك أفاد علمت حال تشبيه زيد بالأسد ، وأنه على وجه قرب المشابهة ، (و) كذا الفعل فى قولك : (حسبت) زيدا أسدا فإنه يستعمل لإفادة التشبيه بين زيد والأسد (أن بعد) ذلك التشبيه لبعد الوجه عن التحقق وخفائه عن الإدراك العلمى ؛ وذلك لأن الحسبان ليس فيه إلا الرجحان والإدراك على وجه الاحتمال ، ومن شأن البعيد عن الإدراك أن يكون إدراكه كذلك دون التحقق المشعر بالظهور وقرب الإدراك فأفاد حسبت حال التشبيه وأن فيه بعدا ، والتشبيه الموجود فى نحو هذين التركيبين لم يظهر كونه من الفعلين كما هو ظاهر عبارة المصنف ؛ لأن مدلول العلم والحسبان لا يشعر بالتشبيه أصلا فلو لا حمل الأسد على زيد
__________________
(١) البقرة : ١٩.
(٢) البقرة : ١٧.