غرض التشبيه بعوده إلى المشبه والمشبه به
أولا : غرض التشبيه بعوده إلى المشبه
ولما فرغ من أركان التشبه شرع فى الغرض منه وهو الأمر الحامل على الإتيان به فقال : (والغرض منه) ، أى : من التشبيه (فى) استعماله (الأغلب يعود إلى المشبه) ؛ لأنه هو المحكوم عليه وهو المقيس الذى يطلب فى التركيب ما يتعلق به ، فإنك إذا قلت هذا كذلك فعرف الاستعمال فى الغالب يقتضى أن الذى أريد بيان حكمه وما يتعلق به هو المشار إليه بهذا وهو المحكوم عليه بخلاف المشار إليه بذلك وأشار بقوله فى الأغلب إلى أنه قد يعود للمشبه به فى غير الأغلب كما يأتى (وهو) ، أى : وذلك الغرض الذى يعود إلى المشبه أقسام ؛ لأنه إما :
بيان إمكان المشبه
(بيان إمكانه) ، أى : إمكان المشبه كما إذا كان حالة غريبة ربما تدعى الاستحالة فيها فتلحق بحالة مسلمة الإمكان لوقوعها فى وجه جامع لهما ، وهو منشأ تلك الغرابة فيسلم إمكان المدعى ، إذ لو استحال انتفى معناه الكلى عن كل فرد فيلزم انتفاء ذلك الواقع وهو محال فيثبت المدعى ، وذلك (كما) أى : كالبيان الكائن (فى قوله) أى : فى قول أبى الطيب : (فإن تفق الأنام) (١) جميعا ، وهم الإنس والجن يعنى أهل زمانه ومن تعميم الأنام يستفاد أنه صار بكونه فائقا لهم جنسا آخر بواسطة أن الداخل فى الجنس لا بد أن يساويه فرد منه غالبا ، (و) الحالة أنك (أنت منهم) ؛ لأنك آدمى بالأصالة ، وجواب أن محذوف أقيم مقامه علته وهو ما أشار إليه بقوله : (فإن المسك) فى أصله (بعض دم الغزال) ، وقد صار بأوصافه الذاتية له خارجا عن جنسه مثلك ، والجواب الذى قلنا إنه أقيمت العلة مقامه قولنا فلا بعد ، أى : إن خرجت عن جنسك بكمال أوصافك فلا يستغرب ذلك ؛ لأن المسك بعض دم الغزال ، وقد خرج عن جنسه بكمال أوصافه فأنت مثله ، فالشاعر لما ادعى أن الممدوح فاق الناس فوقانا صار به جنسا آخر بنفسه وأصلا مستقلا برأسه كما حققناه ، وكان فوقانه الأنام على الوجه
__________________
(١) البيت للمتنبى من قصيدة يرثى فيها والدة سيف الدولة ، وهى فى ديوانه (٣ / ١٥١) ، والإشارات ص (١٨٧).