قولك : عظنا فإن موعظتك فى غسل أدران القلوب كغسل هذا الوسخ بالماء ، مشيرا إلى وسخ هشيش فى زاج أو حجر أملس فتقع الرغبة فى تلك الموعظة لتمام فائدتها حيث ألحقت بذلك الأتم المشاهد الأظهر ، فالأتم الأشهر هو أمكن فى النفس من غيره لإلفها له وميلها له وعدم إمكان دفاعه بالوهم والتساهل والغفلة ، فالتشبيه بالوجه الذى لا يكون كذلك أجدر وأحق وأوجب بالزيادة التى هى التقرير للمقصود لغرض من الأغراض ، ولا يخفى أن المراد بالأشهرية هنا مطلق المعرفة والشهرة ، وإلا فلو أريد معنى اسم التفضيل لزم أن يكون الحال والإمكان والمقدار مشهورة فى المشبه ، لكن هى فى المشبه به أشهر وهو فاسد ، وأن المراد بقولنا : أجدر مطلق الوجوب ، ليفيد توقف التقرير على الأتمية والأشهرية به لا كونهما أولى به معا من أحدهما فقط مثلا ، وإلا أفاد صحته مع كل واحد منهما ؛ وذلك فاسد لأنه لو كان فى المشبه به أتم فى نفس الأمر فلا ظهور ، ولم يتقرر قطعا ولو كان أظهر مع ضعفه لم يحصل الغرض الذى هو التقرر على وجه لزومه للنفس بلا دفاع له وهما للرغبة أو النفرة اللتين هما المقصودان مثلا ، وقد تبين أن فى عبارة المصنف فسادا إن حملت على ظاهرها من اشتراك الوجوه فى الأتمية والأشهرية ويمكن تصحيحها بجعل الكلام على التوزيع فتعود الأشهرية لما يقتضيها وهو الجميع والأتمية لما يقتضيها وهو التقرير ، فافهم.
تزيين المشبه فى عين السامع
(أو تزيينه) ، أى : تحسينه بمعنى إيقاع زينته وحسنه فى ذهن السامع فيتخيل أنه كذلك ترغيبا فيه ، ولو لم يكن فى نفس الأمر كذلك ، وذلك بسبب قرانه مع صورة حسن فيها وجه الشبه لعارض فيتخيل حسن المشبه فقوله : " تزيينه" هو بالرفع معطوف على بيان لا على مدخوله حتى يكون مخفوضا ؛ لأن المراد إيقاع زينته بالتخيل لا بيان الزين الكائن فيه ، وذلك (كما) ، أى : كالتزيين الكائن (فى تشبيه وجه أسود بمقلة الظبى) ، فإن السواد الكائن فى مقلة الظبى أوجب لها حسنا ؛ لأن السواد فى العين حسن بالجبلة ، وذلك لما يلازمه من الصفاء العجيب والاستدارة مع إحاطة لون مخالف له غالبا من نفس العين أو من خارجها ، فإذا قصد التشبيه فى مجرد السواد لتخييل الحسن على