أشد استطرافا على ما تقرر فى جميع الغرائب وليس وجه الشبه هنا هو منشأ المنع عادة كما كان منشأ الاستغراب فى بيان الإمكان ، بل منشأ المنع ذات المشبه به ، فتأمل.
ثم إن كون الشيء قد أظهر فى صورة الممتنع وكونه نادر الحضور فى الذهن مفهومان مختلفان ، والثانى أعم من الأول ، وكلما خطر أحدهما للسامع من حيث هو حصل الاستطراف أشار إلى أن الاستطراف قد يكون بحضور الوجه الثانى عند السامع وقصده عند المتكلم أيضا ، وإن كان الامتناع العادى يستلزم ندرة الحضور خارجا لا تصور فقال :
وجه آخر للاستطراف
(وللاستطراف وجه آخر) يوجبه فى المشبه غير الوجه السابق وهو الإبراز فى صورة الممتنع عادة (وهو) أى : وذلك الوجه الآخر (أن يكون المشبه به نادر الحضور فى الذهن) ، فإن ندرة الحضور مما يستطرف لغرابته ؛ لأن لكل غريب لذة ، فإذا كان المشبه به كذلك فإبراز المشبه فى صورة أى : فى وصف الغريب المستطرف يجر الاستطراف إليه ، ثم ندرة الحضور الذى تقدم أن مفهومهما مخالف لمفهوم الامتناع العادى ، وأن حضور كل منهما يوجب الاستطراف ، (إما) أن تكون تلك الندرة حاصلة فى المشبه به (مطلقا) أى : من غير تقييد بحالة حضور المشبه ، بل يندر ، سواء حضر المشبه أو لا ، (كما مر) فى تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ، فإن البحر الموصوف لما امتنع عادة صار حضوره نادرا لا يكاد يحصل إلا لنادر ممن له اتساع فى تقدير المفروضات فيحصل الاستطراف فيه للسامع من جهة الامتناع العادى ، وتكفى تلك الجهة فى الاستطراف إن خطرت وحدها ، ومن جهة الندور إن خطرت وحدها أيضا ومن جهة الندور منفكة عن الأخرى ، وإن استلزمت الثانية الأولى خارجا كما تقدم (وإما) أن تكون تلك الندرة حاصلة فى المشبه به (عند حضور المشبه) لا مطلقا لكون المشبه به مشاهدا معتادا لا ممتنعا ، ولكن مواطنه غير مواطن المشبه لكون كل منهما من واد غير وادى الآخر ، ويبعد حضور أحدهما عند حضور الآخر ، وذلك (كما) أى كندرة المشبه به عند ذكر المشبه الكائن (فى قوله : ولا