الذى تهزه الأريحية ، أى : الانبساط حال المدح حتى يظهر أثرها على وجهه ، وإلا كان المناسب لحاله حيث كان لئيما العبوس الذى هو مقتضى طبعه ، فأفاد الشاعر بذلك معرفة الممدوح حق المادح وتعظيمه بين يدى الحاضرين بالإصغاء إليه والارتياح ، أى : الاطمئنان إليه وإلى مدحه ، وأفاد كمال كرم الممدوح حيث يتصف بالبشر والطلاقة حالة المدح وإلا فاللآمة تقتضى العبوس والكلح ولو مع إظهار القبول للمدح والانبساط له ، وليس من التشبيه المقلوب كما فى هذا المثال قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ)(١) وإن كان النور لا مناسبة بينه وبين المشكاة فى قوته ؛ لأن المشكاة هى المعلومة عند المخاطبين بإحساسها فالتشبيه فى ذلك من باب الإلحاق بما تقرر علمه عند المخاطبين لا من باب القلب وهو ظاهر.
بيان الاهتمام بالمشبه به
(و) الضرب (الثانى) من الغرض العائد إلى المشبه به (بيان الاهتمام به) ، أى : إظهار المتكلم للسامع أنه مهتم بالمشبه به ، ولا بد فى نحو هذا من وجود قرينة تدل على القصد (ك) أمارة العدول عما يناسب إلى غيره مع قرينة الحال فى (تشبيه) الإنسان (الجائع وجها) مفعول تشبيه ، أى : كأن يشبه الجائع وجها ، وهو (كالبدر فى الإشراق) أى : فى التلون (والاستدارة) أى : فى الشكل (بالرغيف) متعلق بتشبيه ، أى : كأن يشبه الوجه المذكور بالرغيف فإن المشبه لما عدل عن تشبيهه بالبدر الذى هو المناسب دل كلامه مع مصاحبة بعض القرائن الحالية أيضا على أنه جائع جوعا أوجب له كونه بحيث إذا التفت إلى ما يشبه به هذا الوجه لم يجد أقرب من الرغيف لشدة الرغبة الموجبة لعدم زواله عن الخاطر ، (ويسمى) هذا التشبيه الذى فيه هذا الغرض الخاص وهو بيان الاهتمام بالمشبه به (إظهار المطلوب) ، وذلك لإتيان صاحبه بما يدل على أنه جائع ، وأن الرغيف مطلوب عنده حتى لا يجد فى خاطره عند قصد التشبيه غيره كما بينا ؛ وإنما يحسن المصير إلى هذا وشبهه مما فيه إظهار المطلوب فى مقام الطمع فى حصول المطلوب كما روى أن بعض الملوك قال لبعض ندمائه كمثل قولنا وعالم يعرف
__________________
(١) النور : ٣٥.