الأمور وقصد من ذلك الأمر القدر الذى اشتركا فيه واستويا فيه ، ولم يقصد ما ازداد به أحدهما على الآخر فى ذلك الأمر وإن كانت تلك الزيادة موجودة فى نفس الأمر ، إما لاقتضاء المقام المبالغة فى ادعاء التساوى ، وإما لأن الغرض وجود أصل الاشتراك فيلغى الزائد إن كان فتحقق التساوى فى المراد بين الطرفين (فالأحسن) حيث كان القصد الجمع المذكور (ترك التشبيه) بأن يعدل عن صيغته (إلى الحكم بالتشابه) بأن يؤتى بما يدل على التشابه والتساوى ، وذلك بأن يعبر بالتفاعل المقتضى لحصول مدلوله من الجانبين فيكون كل من الأمرين مشبها ومشبها به ، فلا يكون من التشبيه السابق المقتضى لتعين المشبه من المشبه به ، قيل : وشرط ذلك كون الفعل لازما كتشابها وتماثلا ، وأما إن كان متعديا أفاد التشبيه كيشبه كذا أو يماثل كذا ، وإنما يعدل إلى الحكم بما يدل على التماثل لكونه هو المدعى ، والمراد (احترازا من ترجيح أحد المتساويين) فى ذلك الأمر المشترك فيه حتى صار به كل منهما مشبها ومشبها به فلا مرجح وهو باطل ، والاحتراز عن الترجيح الباطل يقتضى ترك صيغة التشبيه كما ذكرنا ، إذ لو أتى بصيغة التشبيه أفاد ترجيح أحدهما فيه وهو ينافى المدعى المقصود فلذلك يعدل إلى ما يدل على التساوى والتشابه (كقوله : تشابه دمعى إذ جرى (١)) أى : وقت جريانه من عينى (ومدامتى) والمدامة الخمر (فمن مثل ما) أى : الخمر الذى (فى الكأس) ، وهو إناء يشرب فيه الخمر ، (عيناى تسكب) ، وسكب الدمع إرساله وإرسال العين من مثل ما فى الكأس يحتمل أن يكون على معنى التماثل الحقيقى فيطابق قوله : تشابه دمعى ومدامتى وقوله : (فو الله ما أدرى أبا لخمر أسبلت جفونى) ، أى : هطلت (أم) من (عبرتى) أى : دمعى (كنت أشرب) ، ويحتمل أن يكون على معنى تشبيه الدمع بالخمر ؛ لأن العدول إلى التشابه بعد قصد التسامح لا يجب كما دل عليه قوله ، فالأحسن ترك التشبيه ، وسيأتى وجه ارتكاب التشبيه فيما كان كذلك ، فالشاعر هنا لما اعتقد التساوى بين الدمع والخمر لادعائه كثرة الدمع حين قصد الشرب وصفاء الخمر
__________________
(١) البيت لأبى إسحاق الصابى فى الإشارات ص (١٩٠) ، الأسرار ص (١٥٦) ، والتبيان ص (٢٧٦) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى.