عدل عن التشبيه المقتضى للترجيح ونفى الالتباس إلى التشابه المفيد للالتباس المدعى من كثرة الدمع وصفاء الخمر ، وقوله : " بالخمر" متعلق بأسبلت ، والباء فيه للتعدية ؛ لأن أسبل يكون لازما فيفتقر إلى التعدية ، يقال : أسبل الدمع والمطر إذا هطل ، أى سال كثيرا ، وأسبلت السماء كذلك ، ومن قال إنها زائدة جعل أسبل بمعنى أرسل ، فإن أراد أنها تجب زيادتها فهو وهم ، وإن أراد احتمال زيادتها فارتكاب زيادتها مع إمكان جعل الفعل لازما فتكون للتعدية مما لا ينبغى أيضا ، ولكن بيان كونها للتعدية بمجرد لزوم الفعل لا يخلو من بحث لأن نسبة الإسبال إلى غير السابل من المطر والدمع مجاز ، فإذا قيل : " سالت العين" فالمراد سيلان دمعها ، فينبغى نصب الدمع على التمييز الذى هو الأصل ، فإدخال الباء عليه زيادة أيضا ، اللهم إلا أن يضمن الفعل معنى امتلأ مثلا أو يحقق فيه السيلان مبالغة ، وتكون الباء للاستعانة عليه ، تأمل.
(ويجوز التشبيه أيضا) فى الطرفين اللذين أريد الجمع بينهما فى أمر قصد تساويهما فيه بأن لا يراد الزائد منه فى أحدهما إن كان ، بل أريد نفس القدر الذى اشتركا فيه وحصل فى كل منهما ، وإنما جاز الجمع بينهما بطريق التشبيه مع هذا القصد المفضى للعدول إلى التشابه كما تقدم لأن العدول لا يجب كما أشار إليه بقوله فالأحسن ترك التشبيه ، وإنما لم يجب لأن المتكلم قد يكون أحد الطرفين عنده أهم إما لكونه أول خاطر لمحبته فيه أو لكونه هو المخبر عنه فيقدم لكونه يجب أن يكون مبتدأ حينئذ فيخبر عنه بكونه كالآخر ، وذلك كمن لقى فرسه أو سئل عن حاله فى الجملة أو شغف به فأراد الإخبار عنه فيقول : " غرة فرسى كياقوتة فى كف ملك" ، وليس غرضه تزيينه ولا تقرير كمال الغرة ؛ لأنها عنده أعظم من أن تزين أو تقرر ، بل الغرض مطلق تمييزه بما ذكر ، وإنما قدمه للاهتمام به محبة أو ذكرا فإن كان ثم شيء آخر فهو غير مقصود ، وقد يكون حديثه أولا فى أحد الطرفين فانجر الكلام إلى وصفه فيناسب تقديمه ، وجعله مشبها ؛ لأن أصل تركيب الكلام أن يكون كذلك ، وهذا من معنى الاهتمام ؛ لأن إجراء الشيء على المناسب الأصلى من التقديم مما يقتضى الاهتمام بذلك التقديم فيكون المقدم أهم باعتبار ذلك التقديم ، وذلك كما إذا كان يصف ليلا سرى