(و) نعود (أيضا) إلى تقسيم آخر فى مطلق التشبيه وهو تقسيم يعتريه باعتبار وجود التعدد فى طرفيه أو فى أحدهما فنقول :
إن تعدد طرفاه فالتشبيه الملفوف والمفروق
(إن تعدد طرفاه) معا فصار تشبيهات لا تشبيها واحدا (ف) ذلك المتعدد الطرفين الذى هو تشبيهات (إما ملفوف) أى : إما أن يكون هو المسمى بالملفوف اصطلاحا وهو الذى يؤتى فيه بمشبهات متعددة منفصلة أو بمشبهين على طريق العطف المفرق بين الأشياء أو غيره مما يقتضى الانفصال والتباين ، ثم يؤتى بالمشبهات بها أو المشبهين بهما كذلك ، وذلك (كقوله) أى : امرئ القيس يصف عقابا بكثرة اصطيادها للطيور (كأن قلوب الطير) (١) أراد بالطير الجنس الصادق بالكثير بدليل جمع القلوب (رطبا ويابسا) هما حالان من القلوب والعامل هو كأن لتضمنها معنى التشبيه أى : أشبه قلوب الطير فى حال كونها رطبا ويابسا ، ولما كانت الرطوبة واليبوسة لا تجتمعان فى محل واحد علم أن كلا منهما وصف لغير ما ثبت له الآخر فلزم كونهما حالين على التوزيع ، فالضمير فى كل منهما يعود إلى موصوفه وهو البعض المشمول للقلوب ، فلهذا فسر الضميران بأن قيل يابسا بعضها ورطبا بعضها ، ولم يرد قائل ذلك أن لفظ البعض فيهما هو الفاعل حتى يلزم حذف الفاعل الظاهر ، ولم يوجد فى الكلام الفصيح ، وإنما أراد تفسير الضميرين العائدين إلى ما تضمنه الجمع المتقدم ، فليفهم.
ولما تنافى الوصفان أفاد أن هنا قسمين منفصلين فى جانب المشبه وهما الرطب واليابس ، فقد أتى فيه بمتعدد من هذه الحيثية (لدى) أى : عند (وكرها) أى : عش العقاب (العناب) هذا أحد المشبه بهما وهو المقابل للقلب الرطب ، وهو حب أحمر مائل للكدورة على قدر قلوب الطير بثمرة السدر البستانى ، وهو المسمى فى العرف بالزقزوق (والحشف البالى) هذا هو المشبه به الآخر ، وهو المقابل للقلب اليابس ، والحشف أردأ التمر ، ووصفه بالبلى تأكيدا لهيئة التشبيه ، فإنه أشبه بالقلب اليابس فى شكله ولونه وتكاميشه من الجديد ، وأما العناب مع القلب الرطب فلا يخفى تشابههما فى القدر
__________________
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص (٣٨) ، والإشارات ص (١٨٢) ، وفى عقود الجمان (٢ / ٢٥).