اجتماع بين شيئين أو أشياء فى مشابهة شيء واحد والتفريق بين الجمع والتسوية اصطلاح وإلا فيمكن أن يعتبر فى كل منهما ما اعتبر فى الآخر كما لا يخفى ، وذلك (كقوله : بات نديما لى) (١) أى : مؤنسا لى بالليل (حتى) أى : إلى (الصباح أغيد) فاعل بات ، والأغيد هو الناعم البدن (مجدول مكان الوشاح) أى : ضامر الخاصرتين والبطن ؛ لأن ذلك موضع الوشاح ، وهو جلدة ترصع بالجواهر أو ما يشبهها ، تشد فى الوسط أو تجعل على المنكب الأيسر معقودة تحت الإبط الأيمن للتزين ، (كأنما يبسم) (٢) أى : كأن ذلك الأغيد متبسم ، ولما اتصلت ما الكافة بكأن صلحت للدخول على الفعل أو كأن تبسمه تبسم عن لؤلؤ ، والمعنى فى الحالين واحد ، (عن لؤلؤ) وهو الجوهر الصافى (منضد) أى : منظم ، (أو) يبسم عن (برد) وهو حب الغمام ، (أو) يبسم عن (أقاح) جمع أقحوان بضم الهمزة ، وهو نور يتفتح كالورد ، وأوراقه فى شكلها أشبه شيء بالأسنان فى اعتدالها ، ومنه الأبيض الأوراق وهو المراد هنا ، ومنه الأصفر ، وتلك الأوراق البيض المشكلة بشكل الأسنان المعتدلة هى المعتبرة فى التشبيه ، ولا عبرة بما أحاطت به من الصفرة ؛ لأن المراد تشبيه الأسنان لا مجموع الثغر ، حتى يقال مما يستقبح كون منبت الأسنان أصفر الذى هو هيئة كالأقحوان ؛ لأن الأوراق فيه نابتة فى صفرة ، فلا يحسن التشبيه به ، فافهم.
فقد تضمن هذا الكلام تشبيه أسنان ثغره بثلاثة أشياء اللؤلؤ المنضد ، والبرد ، والأقاح ، فقد اجتمعت هذه الثلاثة فى تشبيه الأسنان بها فى الشكل ، أو قربه فى بعضها ، وفى اللون ، ولا هيئة لمجموعها تعتبر هنا أيضا ؛ حتى يكون من التركيب ، بل الفضيلة ، فى اجتماعها فى مشبه واحد على وجه الاختصار ، ولو شبه كل واحد به على حدة صح ، فلذلك كان من المتعدد ، وإنما قلنا تضمن هذا الكلام تشبيه أسنانه ؛ لأن التشبيه هنا ضمنى لا صريح ، إذ صريح اللفظ إن جعلت كأن للتشبيه ، أنه شبه الأغيد بمن يتبسم
__________________
(١) البيت للبحترى من قصيدة مطلعها هذا البيت.
(٢) البيت للبحترى فى ديوانه (كأنما يضحك) بدلا من (كأنما يبسم) والبيت من قصيدة يمدح فيها عيسى بن إبراهيم ، ديوانه (١ / ٤٣٥) ، والإشارات ص (١٨٣).