ويفيض على الحالتين ـ أعنى حالتى الإعراض والإقبال ـ ولكن لعمرى إن هذا الوصف لا يصلح إلا لله تعالى الذى يعطى بلا عوض ، ويجود بلا غرض ، وهو أكرم الأكرمين ، والمشبه به أيضا وصفه بأنه يصيبك جئته ، أو ترحلت عنه ، وإعطاء المعرض والمقبل الذى هو وصف المشبه يتضمن الوجه الذى هو الإفاضة فى الحالتين أيضا ، وبقى مثال ما ذكر فيه وصف المشبه دون المشبه به ، وكأن المصنف لم يجده فى كلامهم ، ومثاله ما لو قيل فى عكس قوله :
فإنك شمس والملوك كواكب |
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب (١) |
فإن الشمس التى إذا طلعت لم يبد كوكب مثلك ويعنى بالنسبة إلى الملوك.
التشبيه المفصل
(وإما مفصل) هذا هو المقابل لقوله : إما مجمل فهو معطوف عليه ، يعنى أن التشبيه المجمل هو ما لم يذكر فيه الوجه ، سواء ذكر فيه ما يشعر به أو لا كما تقدم ، (و) المفصل (هو ما ذكر) فيه (وجهه) أى : وجه الشبه ، وقد علم من هذا ـ كما بيناه فيما تقدم ـ أن المراد بالإجمال هنا عدم الصراحة بالوجه والتفصيل أن يذكر الوجه صراحة ، وذلك المفصل (كقوله : وثغره) (٢) أى : أسنان ثغره أى : فمه (فى صفاء وأدمعى) فى صفاء أيضا (كاللآلى) أى : كالجواهر الصافية ، وقد مثلنا بهذا لتشبيه التسوية لتعدد طرفه الأول ، ومثل به هنا للتصريح فيه بالوجه فناسب المحلين بالاعتبارين ، وهكذا كل ما فيه اعتباران أو أكثر يصح التمثيل به ، لذلك وهو ظاهر ووصف الدموع بالصفاء ؛ إشعارا بكثرتها لاقتضاء الكثرة تغسيل المنبع ، وتنقيته من الأوساخ ، ومن لازم ذلك صفاء الدمع ، بخلاف القليل فيصح معه بقاء تكدر المنبع بالأوساخ ، فلا يصفو (وقد يتسامح) أى : يتساهل فى ذكر نفس الوجه فيستغنى عنه (ب) سبب (ذكر ما يستتبعه) أى : يستلزمه (مكانه) متعلق بذكر أى : يتسامح بأن يذكر فى مكانه ما يستتبعه ويستلزمه ، والمراد بالاستلزام هنا الحصول مع الحصول فى الجملة ، وإن كان
__________________
(١) البيت للنابغة الذبيانى فى الإيضاح بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ص (٢٣١) ، وعقود الجمان (٢ / ٢٨).
(٢) البيت فى الإيضاح ص (٢٢٩) ، وعقود الجمان (٢ / ٢٨).