المشبه به عند روم التشبيه دائما ، فالتفصيل ، وإن كان يقتضى الغرابة فى أصله للاحتياج فيه إلى التأمل يسقط مقتضاه عند قلته بوجودهما فتقرر بهذا أنهما ـ أى : قرب المسافة والتكرر إذا تعارضا مع التفصيل القليل بأن يوجدا معه فى محل واحد سقط مقتضاه ، وأن كون التفصيل من أسباب الغرابة إنما هو عند عدم وجود قرب المناسبة أو التكرر على الحس مع قلته ، وفهم من هذا الكلام أن التفصيل القليل عند انتفاء قرب المناسبة والتكرر العارضين له يكون من أسباب الغرابة وهو ظاهر.
التشبيه البعيد الغريب
(وإما بعيد غريب) تقدم أن القريب المبتذل يقابله البعيد الغريب تقابلا حقيقيا وعليه يكون العطف بالغريب لا للإحراج كما تقدم فى وصف القريب بالمبتذل ، فقوله : وإما بعيد معطوف على قوله : إما قريب مبتذل (وهو) أى : البعيد الغريب (بخلافه) أى : جار على خلاف المبتذل ، فإذا كان المبتذل ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير نظر فالغريب هو ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر ونظر دقيق ، ونعنى بالانتقال إلى المشبه به الانتقال إليه من حيث إنه مشبه به فلا ينافى ذلك أن تحصل الغرابة فى تشبيه الملزوم باللازم البين ، حيث يحتاج فى استخراج الوجه بينهما إلى دقة نظر وإن كان الانتقال إلى اللازم بسرعة ؛ وذلك لأنه لم ينتقل إليه بتلك السرعة من حيث التشبيه بل من حيث اللزوم ، وذلك كتشبيه الرجل الأعمى عماه بالبصر فى كون كل منهما معاقبا للآخر فى محل مخصوص هو الحادث القابل لهما عند قصده دفع النقص بما أمكن ، فإن العمى ينتقل منه إلى فهم البصر سريعا ، إذ هو نفى البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا ، لكن لا من حيث التشبيه بل من حيث المعنى فقط ، ثم بين علة الحاجة فى الغريب إلى التأمل ـ وإن كانت ظاهرة ـ ليقع التفصيل فيها بقوله (لعدم الظهور) أى : وإنما افتقر إلى التأمل عند إرادة التشبيه فيما يخالف المبتذل لعدم ظهور الوجه فيه بين الطرفين أى : لخفائه ، ومعلوم أن الظاهر فى بادئ الرأى لا يفتقر إلى التأمل ، ويكون عدم الظهور للوجه (إما لكثرة التفصيل فيه) أى : لكثرة الاعتبارات فيه فإن كثرة الاعتبارات فى الشيء تزيد خصوصا ، وكلما كثر التخصيص للشئ قلت أفراده فتقل