الذى جعل نفسه ، فإن لكون الشيء فى صورة الشيء تأثيرا فى كونه كهو فصيح التشبيه المؤكد ما حذفت فيه الأداة وجعل فيه المشبه نفس المشبه به ادعاء حتى صح إطلاقه عليه كالأول فأضيف إليه ، بل هو أوكد ؛ لأن الإضافة فيه تجعل بيانية وهى تقتضى الاتحاد فى المفهوم والمصدوق معا بخلاف مطلق الإطلاق فلا يقتضى الاتحاد فى المصدوق ، وذلك نحو قوله (١) : (والريح تعبث) أى : تلعب (بالغصون) أى : تميل الغصون المخضرة يمينا وشمالا وأعلى وأسفل ، (و) الحال أنه (قد جرى ذهب الأصيل) أى : الأصيل الذى هو كالذهب فى الصفرة (على لجين الماء) ، واللجين بضم اللام وفتح الجيم هو الفضة ، والتقدير على الماء الذى هو كاللجين فى الصفاء والإشراق ، وقد بينا أن التأكيد هنا مستفاد من جعل أحدهما نفس الآخر بحيث يطلق عليه ويضاف إليه إضافة البيان ، ونفى المجازية عنه لعدم وجود لمزيد تأكد ، ادعاء لدخوله فى جنس المشبه به ، ولصحة تقدير الأداة هنا دون المجاز ، ولكن يقال فى هذا لا يتأتى تقدير الأداة إلا بقلب التركيب ، فلو قيل فى نحو هذا أنه من المجاز لكان قريبا ، إذ لم يذكر المشبه به هنا على وجه ينبىء عن التشبيه ، وقد يجاب بأن معنى الإضافة على اللجين المنسوب للماء وقد جرى الذهب المنسوب إلى الأصيل ، ونسبة المشبه به إلى المشبه تشعر بالتشبيه للعلم بأن النسبة تشبيهية ، فيكون التأكيد من جهة كونه فى صورة المطلق على المشبه كما بيناه فى الاحتمال الثانى ، وتشبيه الأصيل بالذهب ظاهر ؛ لأن المراد بالأصيل الوقت بعد العصر إلى الغروب ، وهو من الأوقات المستحسنة ، ويوصف بالصفرة ، كقوله :
ورب نهار للفراق أصيله |
ووجهى كلا لونيهما متناسب |
فإن وجه مفارق الأحبة معلوم أن لونه الصفرة من الدهش والحيرة ، ووصفه بالصفرة لاصفرار شعاع الشمس فيه ، فيكون وجود وجه الشبه فيه بينه وبين الذهب من حيث إنه زمان أى : مقدار يتحقق فيه وجود الحوادث تخييليا ، ويكون من إضافة المشبه به إلى المشبه كما فى قوله : على لجين الماء كما قررناه آنفا ، ولما وصف بالصفرة
__________________
(١) البيت لابن خفاجة الأندلسى إبراهيم بن عبد الله الشاعر الوصاف ، فى الإيضاح ص (٢٤٠) ، وبلا نسبة فى التلخيص بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى وعقود الجمان (٢ / ٣٢).