(الحقيقة والمجاز)
أي هذا مبحث الحقيقة والمجاز قد تقدم أن فن البيان اعتبرت فيه ثلاث مقاصد ؛ باب التشبيه ، وباب المجاز ، وباب الكناية ، ولما فرغ من باب التشبيه شرع الآن في المجاز ، وقد تقدم وجه عد التشبيه بابا مستقلا ووجه تقديمه على المجاز وإذا كان المقصود في هذا المبحث هو المجاز ؛ لأن مقصد البياني وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة إنما يتأتى بالمجاز والكناية لا بالحقيقة ، وقد تقدم بيان ذلك مع ما يتعلق به ، فذكر الحقيقة مع المجاز لمناسبة بينه وبينها لأنه إذا نظر إلى مفهوميهما يوجد بينهما شبه العدم والملكة ؛ إذ الحقيقة لفظ استعمل فيما وضع له الخ ، والمجاز لفظ استعمل في غير ما وضع له الخ ، فقد اعتبر في حدها ثبوت الموضوع له ، وفي حده نفيه وإذا نظر إلى ذاتهما خارجا فهو كالفرع عنها ؛ لأن غالب المجاز له حقيقة ، وإنما قلنا غالب المجاز ، لأن التحقيق عدم توقفه عليها ؛ كما فى الرحمن ، فإنه استعمل مجازا في المنعم على العموم والإطلاق ، ولم يستعمل في المعنى الأصلي ، والحقيقة يشترط فيها الاستعمال ؛ فهو مجاز لم يتفرع عن حقيقة ؛ فلهذا قلنا كالفرع عنها ويحتمل أن يقال أنه فرع عنها ؛ أي عن صحتها ؛ لأنه لا يوجد إلا فيما تقدم له وضع يصح أن يستعمل فيه حقيقة.
ولما كان كالفرع عنها باعتبار ذاته ، وكالعدم مع الملكة باعتبار المفهوم ، والأصل سابق على الفرع ، والملكة سابقة على عدمها جرت العادة بالبحث عنها أولا (و) الحقيقة والمجاز حيث ذكرا كثيرا ما يذكران مطلقين ؛ كما تقدم ، وربما (يقيدان باللغويين) ويراد بكونهما لغويين ثبوت الحقيقية والمجازية لهما باعتبار الدلالة الوضعية ؛ ليتميزا بذلك عن الحقيقة والمجاز العقليين اللذين ثبتت لهما الحقيقية والمجازية باعتبار الإسناد الذي هو أمر عقلي ؛ كما تقدم في صدر الكتاب وإنما كثر إطلاقهما عن التقييد باللغويين لأمرين : أحدهما : أن ما ذكر من فائدة التقييد وهي الاحتراز عن العقليين حاصل بالإطلاق ؛ لأنهما إذا أطلقا انصرفا إلى غير العقليين ، وإذا أريد العقليان قيدا بالنسبة