أنه وضع كذلك ، ويكون الفرق بينه وبين الاسم الموضوع للمعنى النسبي الملازم للإضافة حتى صح أن يخبر عن الاسم دون ما ذكر من كون معناه روعي ولو حظ لغيره لا لذاته ، فإن الملاحظ لغيره لا يقدر أن يحكم عليه ، ولا يصلح لذلك ، ويتضح ذلك بما قالوه وهو : أن البصر في إدراك المبصرات كالبصيرة في المعاني المدركات ؛ فكما أن الناظر إلى صورة في المرآة متوجها لتلك الصورة بخصوصها لا يقدر أن يحكم على المرآة حال توجهه إلى الصورة ولو كانت المرآة مدركة في تلك الحالة ، لتوغله في الصورة وإقباله عليها ، وجعله المرآة لتلك الصورة وسيلة إليها ، فلا يستطيع أن يراعي جوانبها وأحوالها ليحكم عليها ، كذلك الناظر في حال الاسم والفعل مقبلا على شأنهما يجعل معنى الحرف الذي هو الابتداء في من مثلا فيما إذا قيل : سرت من الدار وسيلة إليهما وإلى حالهما ليفهم السامع أن مضمون الأول ابتدئ من مضمون الثاني ، ولا يقال : الابتداء هو الوسيلة ، وهو المتوسل إليه ، لأنه وسيلة من حيث إنه ابتداء من شيء ما ، ومتوسل إليه من حيث إنه ابتداء السير من مكان مخصوص ؛ ولهذا لا يستطاع أن يحكم على معنى الحرف حينئذ ، لأنه لوحظ لغيره ، ولو لوحظ لذاته لعبر عنه بالاسم ، ولوجب صحة الحكم عليه ؛ كما يصح الحكم على المرآة إذا لم تجعل وسيلة بل جعلت مقصودة ؛ للإحاطة حينئذ بأحوال كل منهما حيث قصدا بالذات فنقول المرآة مجلوة مثلا وابتداء السير من البصرة أحسن من ابتدائه من الكوفة ؛ ولمثل هذا لا يصح الحكم على الفعل فإذا قلت : قام فهو من حيث دلالته على القيام ملحوظ لذاته ، وبذلك فارق الحرف.
ومن حيث إن فيه نسبه مقصود للفاعل لا لذاتها لا يصح الحكم عليه ، إذ لا يستطاع الحكم على غير ملحوظ لذاته كما فهمته في المرآة. ولما كانت دلالة الحرف الحقيقية هي دلالته على المعنى المتوسل إليه وهو الخاص ، لكون معناه الأصلي نسبيا مقصودا لغيره ، ولا تحصل تلك الدلالة إلا عند ذكر الدال على المعنى المقصودة أحواله وهو الاسم والفعل ـ قيل : إن معنى الحرف مخصوص ، وهو في من مثلا ابتداء سير من البصرة مثلا أفاد الحرف هذا المعنى رد بنوع من الاستلزام ؛ وهو استلزام الأخص للأعم ـ إلى المستقل الذي هو مطلق الابتداء ؛ وفيه يقع التشبيه والاستعارة على ما سيأتي وإنما اعتبر