والتشبيه في معنى الحرف ، لأن ذلك من الحكم عليه وهو لا يقبل الحكم لما ذكر وقيل إن معنى قولهم : يدل الحرف على معنى في غيره ـ أنه يدل على معنى كائن في غيره فاللام ـ مثلا ـ تدل على معنى التعريف الكائن في لفظ رجل من قولنا : جاءني الرجل ، وهذا أيضا بظاهره فاسد ، لأنه يلزم عليه أن الاستفهام من قولنا : هل زيد قائم دلت عليه هل في اللفظ الذي هو زيد قائم ، ومعلوم أن الاستفهام قائم بالمتكلم لا باللفظ وإن أريد أنه متعلق به دخل فيه دلالة الفعل ، لأنا إذا قلنا : ضربت دل ضربت على معنى متعلق بزيد مثلا وإن أريد أنه دل على معنى موجود في معنى لفظ آخر لزم كون نحو البياض والسواد من الحروف لأنه دل على صفة موجودة في معنى لفظ آخر وهي ذات زيد ، فلا يتم إلا أن يرد لما ذكر من أنه يدل على معنى ملحوظ لغيره ؛ فتأمل هنا ، فإن البحث في شأن دلالة الحرف من دقائق أبحاث الوضع ، وفيما ذكرنا عند الإنصاف ما فيه كفاية ، والله الموفق بمنه وكرمه.
(فخرج) عن الحد المذكور للوضع (المجاز) بمعنى أنه إذا كان الوضع هو تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه ، فيخرج وضع المجاز ، لأنه موضوع نوعه على الصحيح وإنما خرج (لأنه) تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بواسطة القرينة فحيث جعل الوضع (دلالته) أي : دلالة المجاز على المعنى الموضوع هو له إنما هي (ب) شرط (قرينة) معتبرة في وضعه ، لا بنفسه ـ خرج عن حد وضع الحقيقة وضع المجاز ، وإنما يحتاج إلى إخراجه بناء على أن الدال هو اللفظ ، والقرينة شرط الدلالة كما قررنا ، وأما إن بنينا على أن الدال في المجاز هو اللفظ والقرينة معا فلا يحتاج إلى إخراجه بزيادة قوله : بنفسه لأن اللفظ في المجاز لا يصدق عليه حينئذ أنه دال بل هو جزء الدال وعلى أن المخرج هو وضع المجاز ـ كما قررنا ـ يكون إسناد الخروج إلى المجاز مجازا ، ويحتمل أن يكون معنى : فخرج المجاز عن حد الحقيقة ، لاشتماله على ذكر الوضع الذي لا يشتمل عليه مفهوم المجاز ؛ وعليه يكون إسناد الخروج إلى المجاز حقيقة ، وكذا تخرج الكناية ؛ لأن تعيينها للدلالة على المعنى الذى صار به اللفظ كناية إنما هو بالقرينة.