نعم ، يبقى ما استعمل منها في المعنى الأصلي مع الفرعي بالقرينة يصدق عليها أنها كلمة استعلمت فيما وضعت له ، لأنه لم يشترط الخصوص بأن يقول : فيما وضعت له فقط ، حتى تخرج ، ولعله لكون اللفظ لا يسميه كناية بذلك الاعتبار.
وعلى إخراج الكناية ـ كما ذكرنا ـ يكون المراد بالقرينة المخرجة عن الدلالة بنفس اللفظ القرينة المعينة لإرادة غير الأصل ، لا المانعة من إرادته ؛ وإلا لم يخرج إلا المجاز ؛ لأنه هو المصحوب بالقرينة المانعة عن إرادة الأصل دون الكناية ، فإن قرينتها يبقى معها جواز إرادة المعنى الأصلي مع الفرعي على ما يأتي إن شاء الله تعالى ـ فقد علم بما ذكر : أن المجاز والكناية يخرجان عن الحد (دون المشترك) فلا يخرج ، لأنه وضع وضعين فأكثر على وجه الاستقلال ، بمعنى أنه عين أولا ليدل على المعنى بنفسه ؛ أي : بلا قرينة ، ثم عينه غير الواضع الأول لمعنى آخر ليدل عليه بنفسه أيضا ، أو عينه واضعه أولا نسيانا للأول ، أو بلا نسيان.
فالقرء ـ مثلا ـ موضوع تارة ليدل بالاستقلال على معنى الحيض ، وتارة ليدل كذلك على الطهر ، فإذا استعمل في أحدهما واحتيج إلى القرينة المعينة للمراد لم يضر ذلك في كونه حقيقة ؛ لأن الحاجة إلى القرينة فيه لتعيين المراد ، لا لأجل وجود أصل الدلالة على المراد ، فقرينة المشترك تفارق قرينة المجاز في أن قرينة المشترك لبيان دلالة عين لها اللفظ أولا بدونها فعرضت الحاجة لتعيينها بمزاحمة وضع آخر مستقل ، وقرينة المجاز لبيان دلالة لم يكن اللفظ عين لها أو لا بدون القرينة بل عين لها مع القرينة ؛ هذا في المشترك المستعمل في أحد معنييه ، وأما المستعمل في معنييه معا ، أو أكثر ـ بناء على جوازه ـ فإن قلنا إنه حقيقة فيهما كما قيل فالقرينة أيضا لبيان دلالة كان اعتبر لها أولا بدونها ، وإن قلنا إنه مجاز فيهما فالقرينة لبيان دلالة اعتبر الوضع لها مع القرينة ، وعليه فلا يبقى في الحد جميع أفراد المشترك بل بعضها ، فليفهم.
فتقرر بما ذكر أن الخارج عن الحد هو المجاز والكناية دون المشترك كلا أو بعضا ، وأما ما يوجد في بعض النسخ وهو قوله : فخرج المجاز دون الكناية ـ فهو سهو من التاريخ ، أو من الأصل ؛ لأنه إن أراد أن الكناية يتناول الحد المذكور للوضع وضعها