أنواع المجاز :
ولما عرف الحقيقة المقابلة للمجاز أشار إلى تقسيم المجاز ، ثم إلى تعريفه فقال : (والمجاز) في الاصطلاح قسمان : (مفرد ، ومركب) وهو في الأصل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه ، فهو مصدر ميمي على وزن مفعل قلبت فيه الواو ألفا بعد نقل حركتها للساكن قبلها ؛ كمقام ، ثم نقل لكلمة اتصفت بمعناه وهي الكلمة المستعملة في غير معناها الأصلي ؛ لأنها متصفة بالجواز ؛ إما على أنها جائزة مكانها الأصلي وهو ما تستعمل فيه بالأصالة إلى غيرها ؛ فتكون متصفة بمعناه على أنه وصف الفاعل ؛ فهو مصدر أطلق على الفاعل. أو على معنى أنها مجوز بها ؛ أي جازوا بها مكانها الأصلي ، وعدوها إياه ، فتكون متصفة بمعناه على أنه وصف المفعول ، فهو مصدر أطلق على المفعول ؛ ونحو هذا ذكره الشيخ عبد القاهر في أسرار البلاغة في وجه تسمية الكلمة بالمجاز. واستظهر المصنف أنه نقل من اسم المكان إلى الكلمة من قولهم : جعلت كذا مجازا لحاجتي ؛ أى : طريقا لحاجتى لأن الكلمة جعلت طريقا لفهم معناها الذي نقلت إليه فلم يعتبر فيها كونه جائزة ولا مجوزا بها ، بل كونها محلا للجواز وإنما استظهره لأن استعمال المجاز في المكان أكثر ، ونقله لما يشبه بالمكان ويتخيل فيه المحلية أنسب ، وعليه فيكون في الأصل من قولهم : جزت المكان ، لا بمعنى : تجاوزته ، بل بمعنى : سلكته ، ووقع جوازي فيه ؛ ولو كان ملزوما للتجاوز أيضا وما ذكره الشيخ عبد القاهر لا ينافي أن ينقل من المكان للفاعل أو المفعول لوجود التلبس بالفعل في كليهما ، لكن نقل المكان إلى ما يؤول بالمكان تأويلا غير بعيد أنسب. ولا يقال : إذا كان المرعي في الكلمة على ما استظهره المصنف أنها جعلت طريقا لفهم المعنى فالحقيقة جعلت طريقا لمعناها أيضا ؛ فلتسم مجازا بهذا الاعتبار ، بخلاف اعتبار أسرار البلاغة إذ لم يتجاوز بالحقيقة عن أصلها ؛ فيلوح من هذا رجحان الاعتبار الأول وإن كان هذا الأخير قريب المناسبة ؛ لأنا نقول : ما ذكر لبيان وجه التسمية ووجه ترجيح هذا الاسم في المعنى على غيره ، ولا يقتضي ذلك اطراد التسمية في كل ما وجد فيه المعنى المعتبر ؛ لأنه إنما اعتبر لإنشاء التسمية على وجه الخصوص بالمسمى كما لا يلزم انتفاؤها عند انتفاء المعنى فإنك إذا