حيث تعتبر تلك المشابهة ولفظ الدابة في الأصل لكل ما يدب على الأرض فإن استعمل في ذات الأربع من حيث كونها مما يدب فهو حقيقة ، وإن استعمل فيها لخصوصها وروعي الدبيب لتحقق المناسبة الموجبة لتسميتها بخصوصها وكان ذلك من أهل العرف العام صار حقيقة عرفية عامة ، فنقله بعد ذلك إلى الإنسان للمشابهة مجاز عرفي عام. وإن استعمل فيها لخصوصها باعتبار اشتمالها على الدبيب كإطلاق لفظ الجزء على الكل من غير قصد التسمية لها بخصوصها ، وإنما اعتبر الدبيب للتجوز بحيث يصح أن يطلق على مخصوص آخر باعتباره كان مجازا فاستعمال الدابة في ذات الأربع تصح فيه الاعتبارات الثلاثة وذلك واضح.
نوعا المجاز
ولما فرغ من تعريف الحقيقة والمجاز وذكر أقسام كل منهما باعتبار النسبة إلى منشئه من اللغة ، والشرع ، والعرف العام والخاص شرع في بيان نوعي المجاز الذي هو المقصود بالذات في هذا الباب وهما المرسل والاستعارة ، وفي بيان أقسام كل منهما ، وقدم أقسام المرسل لقلة الكلام عليها فقال : (والمجاز) قسمان :
المرسل
(مرسل) أي : أحد القسمين ما يسمى مرسلا (إن كانت العلاقة) المصححة للتجوز (غير المشابهة) كما إذا كانت سببية ، أو مسببية على ما يأتي ، وذلك بأن يكون معنى اللفظ الأصلي سببا لشيء ، أو مسببا عنه ، فينقل اسمه لذلك الشيء وسمى مرسلا لإرساله ، أي : إطلاقه عن التقييد بعلاقة المشابهة فصح جريانه في عدة من العلاقات كما يتضح ذلك فيما يأتي من أمثلته إن شاء الله تعالى.
(وإلا) بأن لم تكن العلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي غير المشابهة ، بل كانت نفس المشابهة كما في إطلاق لفظ الأسد على الرجل الشجاع (ف) ذلك اللفظ الذي كانت العلاقة بين معناه الأصلي والمجازي المشابهة (استعارة) فالمسمى بالاستعارة على هذا هو نفس اللفظ الذي استعمل في غير معناه الأصلي للمشابهة ، ولذلك تعرف الاستعارة بأنها هي اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي للعلاقة التي هي المشابهة