الحالية والمحلية
(أو) تسمية الشيء باسم (محله) أي : ومن المجاز المرسل تسمية الشيء باسم المكان الذي يحل فيه ذلك الشيء ؛ ومن ذلك (نحو) قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١) فإن النادي اسم لمكان الاجتماع ولمجلس القوم ، وقد أطلق على أهله الذين يحلون فيه.
فالمعنى : فليدع أهل نادية ؛ أي : أهل مجلسه لينصروه ؛ فإنهم لا ينصرونه ، والانتقال من النادي إلى أهله موجود كثيرا فصح التجوز بذلك الاعتبار.
(أو) تسمية الشيء باسم (حاله) عكس الذي فرغ منه ؛ بمعنى أن من المرسل تسمية المكان باسم ما يحل فيه ويقع في ضمنه (نحو) قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ)(٢) أي : في الجنة) (هُمْ فِيها خالِدُونَ) والرحمة في الأصل : الرقة والحنانة ؛ والمراد بها في جانب الله تعالى لازمها الذي هو الإنعام ، واستعمل في الجنة لحلوله على أهل الجنة فيها. ثم إن الإنعام أمر اعتباري ؛ إذ هو عبارة عن تعلق القدرة بإيجاد المنعم به وإعطائه للمنعم عليه ، وليس حالا في الجنة حقيقة وإنما الحال بها حقيقة متعلقة ؛ فهذا مجاز مرسل عن مجاز ضمني وهو إرادة المنعم به بالإنعام الذي هو الرحمة.
علاقة الآلية
(أو) تسمية الشيء باسم (آلته نحو) قوله تعالى حكاية عن السيد إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٣)). أي : ذكرا حسنا) فقد أطلق اللسان الذي هو اسم لآلة الكلام والذكر على نفس الذكر ؛ لأن اللسان آلته. ولا يخفى أن الانتقال من الحال إلى المحل ، ومن الآلة إلى ما هي له آلة صحيح ؛ فصح التجوز في هذين أيضا. ولما كان فيهما نوع خفاء ؛ لأن استعمال الرحمة في الجنة واللسان في الذكر ليس من المجاز العرفي العام فسر المراد بهما. فإن قيل : قد ذكر المصنف في مقدمة هذا الفن أن مبني المجاز إنما هو على الانتقال من الملزوم إلى اللازم
__________________
(١) العلق : ١٧.
(٢) آل عمران : ١٠٧.
(٣) الشعراء : ٨٤.