كما أن الكناية بالعكس ، وبعض أنواع علاقته على ما ذكرها المصنف لا يفيد اللزوم بحيث يكون مدلول اللفظ الأصلي لا ينفك عن معناه المجازي ، بل أكثرها لا يفيد ذلك ؛ فإن معنى اليتامى لا يستلزم معناه المجازي الذي هو البالغون ، وكذا العنب لا يستلزم الخمر ، وكذا النادي لا يستلزم أهله لصحة خلوه عنهم ، وكذا الرحمة لا تستلزم الجنة لصحة وقوعها في غيرها كما في الدنيا ، وكذا اللسان لا يستلزم مطلق الذكر لصحة السكوت ، هذا إذا اعتبر اللزوم في الوجود الذي هو الأصل في الفهم ، وإن اعتبر اللزوم فيما لم يتحقق إلا في نحو الكل مع الجزء. قلنا : قد تقدم أيضا أن المعنى باللزوم هنا اللزوم في اعتقاد المخاطب ولو العرف ، ولو في بعض الأحيان ؛ لئلا يقع التنافر والبعد بين المنتقل منه وإليه. ولا شك أن هذا اللزوم حاصل بين كل شيئين بينهما ارتباط ما لصحة الانتقال في بعض الأحيان من أمر لآخر بينهما التصاق ما وارتباط ما ، ولو جزئيا ، ولو لعرف ؛ ولو لآلة ؛ ولذلك يحتاج في الفهم في المجاز غالبا إلى معونة القرينة.
وبقولنا : قد تقدم أيضا أن المعنى باللزوم هنا إلخ يعلم أنه تقدم ما يغني عن هذا السؤال والجواب ؛ فافهم.
ولما فرغ من القسم الأول من قسمي المجاز ، وهو الذي تكون علاقته غير المشابهة ، ويسمى المرسل كما تقدم أشار إلى الثاني وهو الذي تكون علاقته المشابهة ، ويسمى استعارة كما تقدم أيضا ، وهو أكثر القسمين مباحث ؛ ولذلك أخره ليتفرغ لبسطه فقال :
الاستعارة
(والاستعارة) قد تطلق فتعرف بأنها مجاز ، أي : لفظ استعمل في غير معناه الأصلي بشرط أن تكون العلاقة بين ما استعمل فيه الآن وبين ذلك الأصلي المشابهة ، والمراد بكون علاقته المشابهة كون السبب الذي من أجله قصد له مستعمله هذا المعنى الذي ليس بأصلي له هو نفس المشابهة ؛ بمعنى أنه لو لا المشابهة ما نقله مستعمله إلى هذا المعنى الثاني ؛ لأن وجود المشابهة في نفس الأمر إذا لم يقصد الوصل بها لا يكفي في تسمية المجاز استعارة ، ولذلك يكون المجاز مرسلا ولو وجدت المشابهة إذا لم يقصد