ولا يقدر النقل ولو أمكن ؛ نظرا إلى أن الأولى بها ما هو أعلى؟ فقد اتفق على المعنى واختلف في التسمية اصطلاحا بتقدير النقل وعدمه ، وأما الحاصل من المعنى في نفس الأمر فمسلم من الفريقين ، فالاستدلال على هذا بحث في أمر اصطلاحي تبين وجهه ؛ وعليه لا يبقى تشبيه بليغ إلا باعتبار الصورة اللفظية كما تقدمت الإشارة إلى نحو ذلك في صدر هذا الفن من غير اعتبار إدعاء دخول المشبه في جنس المشبه به أصلا لما [ذكر](١) فتأمل في هذا المقام والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.
هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى؟
ثم لما اختلفوا في الاستعارة : هل هي مجاز لغوي أو عقلي ؛ أشار إلى ذلك ؛ وإلى توجيه القولين فقال : (ودليل أنها مجاز لغوي) أي : ودليل كون الاستعارة مجازا لغويا (كونها موضوعة) أي : كون اللفظ المسمى بالاستعارة موضوعا (للمشبه به لا) أنه موضوع (للمشبه ولا) أنه موضوع (ل) معنى (أعم منهما) أي : أعم من المشبه والمشبه به ، فإذا لم يوضع للمشبه ، ولا للقدر المشترك بين المشبهين الذي هو أعم منهما المستلزم لكون إطلاقه على كل منهما حقيقة كان استعماله في المشبه مجازا لغويا ؛ إذ يصدق عليه حينئذ أنه لفظ استعمل في غير ما وضع له ؛ وهذا هو معنى المجاز اللغوي ـ مثلا ـ لفظ أسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي السهام موضوع للسبع ، وإن استعمل الآن في غيره فليس موضوعا لما استعمل فيه وهو مصدوق الرجل الشجاع ولا لأعم من مصدوق الرجل الشجاع ، والسبع المعروف وهو القدر المشترك بينهما كالحيوان المجترئ.
وإنما قلنا كذلك لأنه لو وضع للقدر المشترك بينهما كان استعماله في كل منهما حقيقة ؛ لاستعمال الحيوان الموضوع للقدر المشترك بينهما وبين غيرهما من أنواع الحيوانات ؛ فإنه حقيقة في كل منها ، حيث يستعمل فيها من حيث الحيوانية بحيث لم يوضع لمصدوق الرجل الشجاع ، ولا للقدر المشترك الأعم من الرجل الشجاع
__________________
(١) ما بين المعكوفتين زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.