وتبشيرا للحبيب ، وكذا الشجاعة والجبن لا يجتمعان من جهة واحدة بخلاف جهتين كقوله :
أسد على وفي الحروب نعامة
فقد تبين أن التهكمية والتمليحية عنادية ومثال الاستعارة في النقيض أن يقال في انتفاء الحضور لزيد مع وقوع منافع خلفها مع حضور زيد فزنا في يومنا هذا فيستعير الحضور لانتفائه للمشابهة في الانتفاع من غير تهكم ولا ظرافة ولا يخفى مثالها باعتبار وصف المستعار له ، فمطلق العنادية أعم من التهكمية والتمليحية ؛ لأنهما مختصان بالمتنافيين اللذين توصل إلى الاستعارة فيهما ، فجعل التضاد بينهما كالتناسب. ومطلق العنادية تصدق في المتنافيين مع كون الجامع حقيقيا مقررا فيهما ، كما في المعدوم والموجود في الغناء والفائدة.
ثم أشار إلى التقسيم في الاستعارة باعتبار الجامع فقال :
أنواع الاستعارة باعتبار الجامع
(و) الاستعارة (باعتبار الجامع) أى : ما قصد اجتماع الطرفين فيه ويسمى في باب التشبيه وجه شبه ، كما يسمى في باب الاستعارة جامعا (قسمان) وذلك (لأنه) أى : لأن الجامع بين المستعار منه والمستعار إليه (إما داخل في مفهوم) ذينك (الطرفين) أعنى المستعار منه وإليه بأن يكون جنسا لهما ، أو فصل الجنس لهما وذلك (نحو) قوله عليه الصلاة والسّلام (١)." خير الناس رجل أمسك بعنان فرسه (كلما سمع هيعة طار إليها) أو رجل في شعفة في غنيمة حتى يأتيه الموت" قال الزمخشرى : الهيعة الصيحة التى يفزع منها وأصلها من هاع يهيع ، يعني إذا جبن فكأن الصيحة لما أوجبت جبنا سميت باسمه ، والشعفة رأس الجبل ، والغنيمة بدل اشتمال من الشعفة بتقدير في غنيمة له فيها ، والمعنى خير الناس رجل استعد للجهاد ، وكنى عن الاستعداد للجهاد بأخذ عنان الفرس لاستلزامه إياه بقرائن الأحوال أو رجل اعتزل الناس وسكن في رءوس بعض الجبال في غنم له فيها قليلة يرعاها ويكتفى في أمر معاشه بها ويعبد الله تعالى حتى يأتيه الموت
__________________
(١) رواه مسلم فى" الإمارة" (٤ / ٥٥٣) ، وفيه" ممسك" مكان (أمسك).