المناسك في الحج ، ومسحنا أركان البيت لطواف الوداع وغيره وشددنا الرحال وهى ما يحمل على المطايا من الأخبية وغيرها وارتحلنا ارتحال الاستعجال بحيث لا ينتظر السائرون في الغداة السائرين في الرواح للاشتياق إلى البلاد ، أخذنا حينئذ بأطراف الأحاديث بيننا أى : بكرائم الأحاديث أخذا من قولهم فلان من أطراف العرب أى : من كرائمها ويحتمل أن يراد بأطراف الأحاديث فنونها وأنواعها على عادة المتسعين في التحديث ، وفي حال أخذنا بأطراف الأحاديث أخذت المطايا في السرعة في سيرها المعلوم السلسل المتتابع الشبيه بسيل الماء في تتابعه وتداركه وسرعته مع خفاء صوته في الحصباء. وقد استعار لهذا السير السيل الذي هو في الماء أصالة وهذه الاستعارة أعنى استعارة سيل الماء لسير الإبل في الحصباء مبتذلة مطروقة ، كثر استعمالها لكن أضاف إليها في البيت ما أوجب غرابتها ، وهو تجوز آخر وذلك بأن أسند ذلك السيلان الذي هو وصف للإبل في الأصل إلى محله من باب إسناد ما للحال إلى المحل ، إعلاما بكثرته فإن الواقع في المحل إن كثر أسند إلى ذلك المحل لكثرة تلبسه به حتى صار كأنه موصوفه حيث قال : وسالت بأعناق المطى الأباطح. أى : وسالت الأباطح بأعناق المطى وضمن ذلك كون الأعناق في الحقيقة هى السائلة ؛ لأن مقدم تلك الأعناق وهو المسمى بالهوادى فيه تظهر سرعة السير وتثبطه ، وبقية الأعضاء تابعة له وإسناد السير إلى تلك الهوادى الذي تضمنه كلامه تجوز آخر إذ هو من إسناد الشىء إلى ما هو كالسبب فيه إذ الهوادى سبب فهم سرعة السير وعدمها فكأنها سبب لوجوده ، وإنما قلنا ضمن نسبة السير إلى الأعناق ؛ لأن أصل الكلام وسالت الأباطح أعناقا على حد (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) والتمييز في نحو هذا الكلام هو الفاعل. ولكن ربما جر بباء الملابسة ؛ لأن المسند إليه إنما وصف بذلك والوصف بسبب ملابسته لذلك التمييز فإنك تقول : سال الوادي ماء ، وسال بالماء فلما أن أضاف إلى استعارة السيلان هذين التجوزين ، وهما إسناده إلى مكانه لفظا وإسناده إلى سببه ضمنا ، وكل ذلك مناسب تقتضيه حال قصد
__________________
(١) مريم : ٤.