استعملت له إنما صح كونه موضوعا له بتأويل وهو إدخاله فيما وضع له بالادعاء ، والتأويل في الأصل أن يجعل للشيء مآل يؤول إليه ، وقد يطلق على نفس المآل ، ولما كان تفسير الشيء وحمله على غير ظاهره بدليل حاصله جعل معنى للفظ غير أصله فتعقل فيه أن له مبدأ هو أصله ومآلا هو المعنى المحمول عليه أطلق على ذلك الحمل ، وذلك التفسير لفظ التأويل بجامع ما يعقل في كل منهما من ملابسة كون الشيء جعل له مبدأ واستقرار في غيره ، ثم توسع فيه وأطلق على مطلق العدول بالشيء عن أصله إلى غيره كما هنا فإن معنى التأويل في الوضع أن الوضع عدل به عن كونه تغيير اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه الذي هو الأصل إلى أن جعل هو كون اللفظ بحيث يدل على ما جعل داخلا تحت حقيقة غيره بالادعاء ؛ لأن ذلك يصيره كالمطلق عليه بالوضع الحقيقي فإطلاقه على المعنى الأول من الفرعين وهو حمل اللفظ على غير ظاهره لدليل قد صار حقيقة عرفية عند الأصوليين وعلى المعنى الثاني قد صار مشهورا هنا كذلك أيضا ، وقد تقدم أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به الذي هو حاصل التأويل هنا يتقرر معه كون اللفظ في المشبه مجازا منقولا له بجعل المشبه به له فردان متعارف وغيره فيعتبر نقل اللفظ عن المتعارف إلى غيره وأنه لو لا ذلك الاعتبار لم يتحقق نقل.
تعريف السكاكى للمجاز اللغوى
(وعرف) السكاكي (المجاز اللغوي) الذي هو المقابل للحقيقة اللغوية التي عرفها أولا (بالكلمة المستعملة) أي : عرفه بأنه هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، فقوله : بالتحقيق يعني : وضعت له وضعا مصاحبا للتحقيق أي تثبيته وتقريره في أصله بأن يبقى على معناه الذي هو تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ، فخرج بقوله : " في غير ما وضعت له" الكلمة المستعملة فيما وضعت له حقيقة وأدخل بقيد التحقيق الكلمة المستعملة فيما وضعت له بالتأويل ؛ لأنه إنما أخرج المستعملة في الموضوع التحقيقي