ومواقع كلام العرب في الاستعارة وتراكيب البلغاء فيها دالة بالاستقراء كما فهمه من له ذوق في الفن وهو صحيح النقل عن البلغاء فيه على أن مجموع اللفظ المركب هو المنقول عن الحالة التركيبية إلى حالة أخرى مثلها من غير أن يكون لبعض المفردات اعتبار في الاستعارة دون بعض ، وهذا مما لا يخفى وهو المسمى بالتمثيل فقد تبين أن جميع الوجوه مردودة وهذه الردود هي المذكورة في المطول أوردناها مع زيادة بيان وإضافة ما يحتاج إليه والله الموفق بمنه وكرمه.
تفسير السكاكى للاستعارة التخييلية
ثم أشار إلى ما ذكر السكاكي في الاستعارة التخييلية تمهيدا للاعتراض عليه بما فسرها به فقال (وفسر) أي السكاكي الاستعارة (التخييلية) التي تقدم هي أن تذكر لوازم المشبه به مضافة للمشبه لتدل على أنك أضمرت تشبيهه في النفس (بما) أي : فسرها بأنها لفظ لمعنى (لا تحقق لمعناه) أي لا ثبوت لذلك المعنى الذي نقل إليه اللفظ المسمى بالتخييل (حسا) أي ليس بمعنى محسوس كمعنى لفظ الأسد إذا نقل للرجل الشجاع (ولا عقلا) إذ ليس ذلك المعنى بأمر متحقق عقلا كمعنى لفظ النور ينقل للعلم ، فإنه ثابت في نفس الأمر بالعقل ولم يحس (بل هو) أي بل ذلك المعنى الذي نقل إليه لفظ التخييل (صورة وهمية محضة) أي : معنى صوره الوهم وفرض ثبوته فرضا وهميا محضا أي خالص الفرضية لانتفائه في نفس الأمر ، فمعنى الخلوص أنه لا يشوب ذلك المعنى شيء من الثبوت بالحس أو العقل الذي يثبت الأشياء على وجه الصحة في نفس الأمر بل تلك الصورة ، وثبوتها أمر متوهم توهما محضا في كونه باطلا في نفس الأمر وخالص النسبة إلى الوهم الذي يثبت ما لا ثبات له وتلك الاستعارة التخييلية التي فسرت بما لا تحقق لمعناه (كلفظ الأظفار) المنقول لما يشبه الأظفار من صورة وهمية محضة (في قول الهذلي) :
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
ألفيت كل تميمة لا تنفع |