ولا يستلزم كون الثاني وهو مدخول عن أخص أو ما يجري مجراه بل يصح أن يكون أعم فيصح أن يوجد بدون الأول ويحتمل أن يكون المعنى لا ينتفي عن الثاني كما تقول لا ينفك الحلم والحياء عن زيد ، أي : لا ينتفيان عنه ومن المعلوم أن الذي لا ينتفي هو الأول والذي لا ينتفي عنه غيره هو الثاني وبالضرورة أن الذي لا ينتفي عنه غيره إما أخص أو جار مجراه فيلزم أن الثاني وهو مدخول عن هو الذي لا ينعزل ، أي : لا يوجد وحده دون الأول فهو إما أخص أو ما يجري مجراه فيصح على هذا كون الأول الذي أسند إليه الانفكاك المنفي أعم ، وعلى هذا تؤول في هذا الجواب قول السكاكي لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية ، أي : لا تنتفي عن التخييلية فتكون التخييلية هي التي حكم عليها بأنها لا توجد بدون المكنى عنها ، وكلا المعنيين تستعمل له مثل تلك العبارة ولو كان الاستعمال في الأول أقرب.
فإذا تأولت عبارة السكاكي بهذا لم يرد الاعتراض الأول قاله بعض من تكلم على هذا الكتاب ورد عليه فيما تقدم ؛ لأن قوله : يلزم خلو المكنى عنها عن التخييلية بناء على أن نحو نطقت مجاز مرسل نقول على هذا مسلم ولا نقول أن المكنى عنها أخص حتى يرد الرد بهذا الإلزام ، وإنما نقول بالعكس ولم يرد عليه شيء ، وبهذا تعلم أن هذا نزوع لما ادعي فساده أولا ، فكان الذي ينبغي حينئذ أن يقال هكذا ويمكن الجواب بما تقدم من تفسير عبارة السكاكي بعكس المعنى المعترض ، فإن قيل : ومع هذا فلا يصح لما تقدم أن السكاكي صرح بأن التخييلية لا تستلزم المكنى عنها كما في قوله : أظفار المنية الشبيهة بالسبع ، فكيف يصح حمل كلامه على أن التخييلية تستلزم المكنى عنها؟ قلنا : يحمل على معنى أنها تستلزمها في الفصيح من الكلام أو في الشائع منه إذ لا خلاف أن مثل هذا الكلام ليس بشائع ، وإنما النزاع في صحته ويقيد هذا الحمل أن الوجه الآخر وهو أن يكون معنى لا تنفك المكنية عن التخييلية أن المكنية تستلزم التخييلية إذا حمل الكلام عليه كان حملا على ما خلافه شائع ، فإن عدم استلزام المكنية للتخييلية بأن توجد بدون التخييلية أمر شائع وقد قرره