ولما فرغ من المجاز ، وهو الباب الثانى من هذا الفن ، الذى هو أعظم أبوابه شرع في الثالث الذى به تمام الفن ، وهو باب الكناية ، فقال :
(الكناية)
وهو مصدر كنيت بكذا عن كذا إذا تركت التصريح به ، وعليه فلامه ياء وقد يقال كنوت به عنه بالواو فتكون لامه واوا ، ولكن هذه اللغة ينافيها المصدر إذ لم يسمع كناوة بالواو ، ولا يقال لعله على هذه اللغة قلبت في المصدر ياء للكسرة في فائه ، لأنا نقول : الكسرة في نحو ذلك لا توجب قلبا ، فالتزام الياء في المصدر يدل على أن اللام ياء وأن الواو في كنوت قلبت عن الياء سماعا.
وأما في الاصطلاح ، فتفسر على أنها مصدر بأنها هي الإتيان بلفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه ، وهي بهذا المعنى أخص من معناها لغة ، وتطلق على ذلك اللفظ المأتي به ، وهذا المعنى هو الكثير في استعمالها. وإلى تعريفها بذلك أشار بقوله : هي (لفظ) خرج عنه ما دل مما ليس بلفظ كالإشارة (أريد به) خرج به لفظ الساهي والسكران (لازم معناه) خرج به اللفظ الذي يراد به نفس معناه وهو الحقيقة الصرفة ، وقد تقدم أن المراد باللزوم هنا مطلق الارتباط ولو بعرف ، لا اللزوم العقلي (مع جواز إرادته) أي إرادة معناه (معه) أي : مع ذلك اللازم فمن قيودها أنها بعد إرادة اللازم بلفظها لا بد أن لا تصحبها قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي مع ذلك اللازم ، وذلك كطويل النجاد وهو حمائل السيف إذا أطلق وأريد به لازم معناه الذي هو طول القامة ، مع جواز إرادة معنى طول النجاد نفسه بأن لا توجد قرينة تمنع من إرادة نفس معنى طول النجاد (فظهر) بما ذكر وهو أن الكناية يصحبها جواز إرادة المعنى الأصلي (أنها) أي ظهر بذلك أن الكناية (تخالف المجاز) السابق لا مطلق المجاز المقابل للحقيقة ، فإنها منه. وقيل : إنها واسطة بينهما (من جهة) أي ظهر أنها تباين المجاز من هذه الجهة ، وهي جهة جواز (إرادة المعنى) الحقيقي فيها (مع إرادة لازمه) أي : لازم المعنى الحقيقي بخلاف المجاز ؛ فإنه ولو شارك الكناية في مطلق إرادة اللازم به لا بد معه من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي مع ذلك اللازم ، وقد تبين أن الكناية والمجاز يشتركان في إرادة