الكناية التي هي أبلغ من الحقيقة لإفادتها المعنى بطريق اللزوم الذي هو كادعاء الشيء ببينة فإذا كان قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) كناية ولا يخفى فيه أن المعنى الأصلي وهو أن يكون له تعالى مثل ، ومن هو على أخص وصف له نفى عنه مماثلا لينتقل من ذلك إلى أنه تعالى نفى عنه المثل مستحيل في خصوص هذه المادة التي استعمل لها اللفظ ، وهو نفي المماثل عنه تعالى فإنه لا يمكن أن يثبت معها مماثلة تنفي معها مماثلة بخلاف ما لو استعمل مثل هذا الكلام في مادة أخرى ، كأن يقال : ليس كمثل زيد مثل فإنه لا يستحيل أن يكون لزيد مثل ينفى عنه المثل لينتقل منه إلى نفي المثل عن زيد ، وإن كان اللفظ يعود إلى نفي المماثلة أيضا على كل حال لعموم النفي إلا أنها لا تستحيل في ذات هذه المادة ، ولكن ما ذكر من أن الكناية لا ينافيها المنع من قبل المادة والتمثيل لذلك بقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فيه بحث من وجهين :
أحدهما : أن الامتناع المادي من أقوى الأمارات على عدم إرادة الأصلي ؛ إذ لا تختص قرينة المجاز بالأمور اللفظية فليكن قرينة مانعة من الإرادة ، فالأولى أن نحو ذلك من المجاز المتفرع عن الكناية بمعنى أن اللفظ قد يكون كناية لصحة المعنى الأصلي به كثيرا ، فإذا عرضت الاستحالة جعلت قرينة على منع الإرادة فعادت مجازا ، وهذا هو المطابق لما أشرنا إليه فيما تقدم من أن عدم الوقوع بدون الاستحالة لا يمنع الكناية ؛ إذ معه الجواز بخلاف الاستحالة ، وقد يجاب عن هذا بأن الاستحالة إنما تكون قرينة إن كانت ضرورية لا ما إذا كانت بالدليل ؛ لأن الدليل قد يخفى عن السامع ؛ فيحمله على الظاهر ، والقرينة لا بد من وضوحها.
والجهة الثانية : أن الاستحالة في المثال مبنية على أن مفاده هو : أن ثم مثلا موجودا نفى عن ذلك المثل الموجود مماثلا له ، إذ من المعلوم أن وجود المثل له تعالى محال ، وهذا إنما يجري على أن السلب عن الشيء يقتضي وجوده ، وليس بمرضي بل المرتضى أن السلب يستلزم وجود المسلوب عنه فنفي المثل عن مماثله تعالى لا يستلزم أن له مماثلا حتى يكون محالا ، بل يستلزم فرضه وإن كان محالا ؛ ليفهم من نفي المثل عنه نفيه عنه تعالى ، فعلى هذا لا تمنع مادة المعنى من حيث النفي فليفهم ؛ فإن هذا المعنى من