الغوامض على الأفهام ، ولما قدم الفرق المسلم عنده بين المجاز والكناية ، وهو أن الكناية معها جواز إرادة الأصل بعدم نصب القرينة المانعة ، والمجاز ليس معه ذلك بنصبها أشار إلى فرق آخر بينهما وإلى الاعتراض الوارد عليه فقال : (وفرق) يحتمل أن يكون مبنيا للمجهول وهو الأقرب ؛ لعدم تقدم الفاعل ، والمفرق بما سيذكره هو السكاكي وغيره ، ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل ، والفاعل هو ضمير السكاكي للعلم به من أن الكلام في المباحثة إنما هو معه غالبا (بأن الانتقال) أي : فرق السكاكي وغيره بين المجاز والكناية بأن الانتقال (فيها) أي : في الكناية إنما هو (من اللازم) إلى الملزوم كما إذا قيل : فلان طويل النجاد كناية عن طول القامة فإن طول القامة هو الملزوم والأصل وطول النجاد هو اللازم والفرع ، فقد انتقل في هذه الكناية من اللازم الذي هو طول النجاد إلى الملزوم الذي هو طول القامة ، لا يقال طول القامة لا يستلزم طول النجاد لصحة أن لا يكون له نجاد أصلا ، فكيف يكون ملزوما؟ لأنا نقول اللزوم عرفي أغلبي وذلك كاف مع وجود القرينة (و) الانتقال (فيه) أي : في المجاز إنما هو (من الملزوم) إلى اللازم كما إذا استعمل لفظ الغيث لينتقل من تصور معناه الذي هو الملزوم إلى معنى النبات الذي هو اللازم ، والملزوم هنا أيضا أغلبي وعرفي وهو كاف مع القرينة ، وكذا إذا استعمل لفظ الأسد لينتقل منه إلى لازمه بالقرينة وهو الرجل الشجاع ، وقد تقدم أن اللازم في الحقيقة هو معنى الجراءة ، لكن لما لا بست الرجل أيضا انتقل من الأسد بواسطة القرينة إلى الرجل المقيد بالجراءة ، فصار الأسد ملزوما والرجل الشجاع لازما بانضمام القرينة إلى الرجل المقيد بالجراءة ، فصار الأسد ملزوما والرجل الشجاع لازما بانضمام القرينة (ورد) هذا الفرق (بأن اللازم ما) دام (لم يكن ملزوما) بأن بقى على لازميته (لم ينتقل منه) إلى الملزوم ، وذلك لما تقرر أن اللازم من حيث إنه لازم أي يلزم من وجود غيره وجوده ، يجوز أن يكون أعم من ملزومه ضرورة أن مقتضى لازميته أن وجود غيره لا يخلو عنه ، فغيره إما مساو أو أخص ، وأما أن وجوده لا يخلو من وجود غيره حتى يكون هو مساويا أو أخص فلا دليل عليه فجاز أن يكون أعم كالحيوان للإنسان فلا يخلو الإنسان من الحيوان ، وقد يخلو الحيوان من الإنسان ، وإذا صح أن يكون أعم فلا دلالة للأعم على الأخص ، وإنما ينتقل من اللازم إلى الملزوم إن كان ذلك اللازم ملزوما لذلك