وهو أن اللازم ما لم يكن ملزوما لم ينتقل منه ، ولكن هذا الجواب ضعيف ؛ لأن فيه حمل السكاكي على ما هو تحكم محض ، إذ لا دليل على الاختصاص ، ويبعد ارتكاب السكاكى التحكم المحض ؛ فالتماس جواب آخر أقعد ، وقد أجيب أيضا بأن مراده باللازم في قوله : إن الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم ما يكون وجوده على سبيل التبعية لوجود الغير ، وما يكون اعتباره فرعا عن الغير كطول النجاد النابع وجوده في الغالب لطول القامة والتابع اعتباره لاعتبار طول القامة ، وكنفي مثل المثل التابع اعتباره وجريانه في الألسن لنفي المثل فإنهما ولو تلازما في نفس الأمر الأول فهما أكثر اعتبارا وأسبق ملاحظة ، ويدل على هذا أمران : اشتراطه في اللازم أن يكون ملزوما فإن ذلك يدل على أن اللازم لا يبقى على معناه ، وتجويزه كون اللازم أخص.
واللازم من حيث إنه لازم ليس إلا مساويا أو أعم ، وإنما يكون أخص ما يكون تابعا ورديفا في الوجود والاعتبار ، ومثل له بالضاحك بالفعل للإنسان فجعله لازما مع أنه أخص يدل على أن معنى لزومه تبعيته في الوجود للإنسان ؛ فالكناية على هذا أن يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ، ويراد به ما هو متبوع ومردوف ، والمراد بالمتلازمين ما بينهما لزوم في الجملة لا ما بينهما التلازم الحقيقي ، وهو ما يكون من الجانبين بدليل أنه قد ينتقل من الأخص إلى الأعم ، والمراد بالرديف نفس التابع كالمثالين ، ويحتمل أن يراد بالتابع ما يتبع وجوده وجود الغير كطول النجاد لطول القامة ، والضحك بالفعل للإنسان ، وبالرديف ما يعتبر بعد الآخر ولو تحقق معناه مع الآخر ، كنفي مثل المثل لنفي المثل ؛ لأن اعتبار الثاني واستعماله قبل الأول ؛ لأنه أصرح وأكثر دورا على اللسان فيسمى رديفا لاستناده للآخر مع مساواته له في الصحة والتحقق في نفس الأمر ، والخطب في ذلك سهل.
وإذا كانت الكناية ما ذكر فالمجاز بالعكس وهو أن يقال : إن المجاز هو أن يذكر أحد اللذين بينهما لزوم ، وهو المتبوع والمردوف والملزوم ، ويراد به اللازم والتابع والرديف ، وفي هذا الجواب أيضا نظر ؛ لأن نحو النبات مما يكون تابعا مع التلازم قد يطلق على نحو الغيث مجازا مرسلا ، كما نصوا عليه.