فلو اختصت الكناية بالتابع كان مثل ذلك من الكناية ، وقد مثلوا به للمجاز ونصوا على أنه منه ، وأجيب عن ذلك برعاية الحيثية في نحو النبات يستعمل في الغيث ، وذلك بأن يقال : إذا استعمل النبات في الغيث مثلا من حيث إنه رديف للغيث وتابع له في الوجود غالبا كان كناية ، وإن استعمل فيه من حيث اللزوم الغالب كان مجازا مثل ما تقدم ، وهو أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون مجازا مرسلا واستعارة باعتبارين ، ومع هذا كله لا يخلو الكلام من مطلق التحكم ؛ لأن تخصيص الكناية بالتبعية والمجاز باللزوم مما لم يظهر الدليل عليه ، إلا أن يدعي أن ذلك تقرر بالاستقرار وقرائن أحوال المستعملين ، ثم لا يخفاك أن المراد باللزوم هنا ـ كما تقدم غير ما مرة ـ مطلق الارتباط ولو لقرينة وعرف ، لا اللزوم العقلي الذي هو امتناع الانفكاك ، ثم أشار إلى أقسام الكناية بعد تعريفها فقال :
أقسام الكناية
(وهي) أي الكناية من حيث هي (ثلاثة أقسام) ووجه القسمة أن المعنى المطلوب بلفظ الكناية أي الذي يطلب الانتقال من المعنى الأصلي إليه إما أن يكون غير صفة ولا نسبة ، أو يكون صفة ، ونعني بالصفة الصفة المعنوية لا النعت النحوي ، أو يكون نسبة والقسمة حاصرة ف (الأولى) أي القسم الأول من هذه الأقسام ، وعبر عنه بصيغة التأنيث مع أن لفظ القسم مذكر نظرا إلى أن المعبر عنه بهذه الصيغة الكناية وهي مؤنثة ، أو باعتبار القسمة أي : القسمة الأولى من هذه الأقسام المنسوبة للكناية هي (المطلوب) أي : الكناية التي يطلب (بها) ما هو (غير صفة) وقد تقدم أن المراد الصفة المعنوية.
(ولا نسبة) هو عطف على صفة ، وزاد لا لأن المعطوف بعد غير منفي ، ويجوز تأكيد نفيه بزيادة لا ، ومعنى كون الكناية يطلب بها ما ذكر ، أن يقصد الانتقال من الشعور بمعناها الأصلي إلى الفرع الذي استعملت هي فيه وسيأتي معنى طلب الصفة وطلب نسبتها ، ثم أشار إلى قسمي هذه الأولى بقوله (فمنها) أي : ثم إن الأولى المطلوب بها غير الصفة وغير النسبة منها (ما) أي قسم (هي معنى واحد) وأنث الضمير باعتبار