القرب هنا عدم الوسائط أمكن أن يكون المعنى المكنى عنه خفيا بالنسبة إلى الأصل وأن يكون واضحا ، ولهذا انقسمت القريبة إلى الواضحة والخفية ، وإلى هذا أشار بقوله : والقريبة المذكورة قسمان لأنها إما (واضحة) لكون المعنى المنتقل إليه يسهل إدراكه بعد إدراك المنتقل منه ؛ لكونه لازما بينا بحسب العرف أو القرينة أو بحسب ذاته (كقولهم : كناية عن طول القامة طويل نجاده) أي : كقولهم فلان طويل نجاده برفع النجاد على أنه فاعل طويل ، والضمير المضاف إليه عائد على الموصوف حال كون هذا القول كناية عن طول القامة ، ولا شك أن طول النجاد اشتهر استعماله عرفا في طول القامة ففهم منه اللزوم بلا تكلف إذ لا يتعلق بالإنسان من النجاد إلا مقداره ، وليس بينه وبينه واسطة فكانت واضحة قريبة ، وكانت كناية عن صفة ؛ لأن النسبة هنا مصرح بها ، وإنما المقصود بالذات صاحبها وهو الوصف فكان كناية مطلوبا بها صفة (و) مثل هذا في كونه كناية مطلوبا بها صفة هي قريبة واضحة قولهم مثلا فلان (طويل النجاد) بإضافة الصفة إلى النجاد إذ الموصوف بالطول باعتبار المعنى في المثالين هو النجاد لا فلان ، وإنما عدد المثال ليشير إلى الفرق بينهما بقوله (والأولى) أي : والكناية الأولى وهي قوله طويل نجاده برفع النجاد كناية (ساذجة) أي : خالصة لا يشوبها شيء من التصريح بالمعنى المقصود ؛ لأن الفاعل بطويل هو النجاد لينتقل منه إلى طول قامة فلان فإن قلت : إذا كان الذي أثبت له الصفة هو النجاد ، فلم يتقدم الإثبات للموصوف الذي هو النسبة ، فتكون هذه كناية طلبت بها صفة ونسبة معا؟ قلنا : الإخبار بالطويل عن زيد الذي طلبت له الصفة إثبات له ، ولا يضر كون الإثبات في الحقيقة لسببيه ؛ لأن الإثبات اللفظي الحاصل بالإخبار مع كون النجاد الذي أسند إليه سببيه ينزل منزلة الإثبات الحقيقي ، فأغنى ذلك عن طلب الإثبات الذي هو النسبة.
(وفي الثانية) وهي قوله : طويل النجاد بإضافة الصفة إلى النجاد (تصريح ما) بالمقصود الذي هو طول القامة ، فكانت كناية مشوبة بالتصريح ، وإنما كان فيها تصريح ما (لتضمن الصفة) التي هي لفظ طويل (الضمير) وإنما تضمنت الصفة الضمير ، لكونها مشتقة فهي بمنزلة الفعل لا تخلو من الضمير والضمير عائد على الموصوف ، وكأنه