العام للتنبيه على الأهمية ؛ لأن السبب الموجب لأكثرية المبالغة في الكناية مع التصريح فيه خفاء حيث قيل إن : الكناية يراد بها المعنيان معا فلا تنهض فيها العلة الآتية على وجه الوضوح ، ويحتمل أن يراد المجاز ما سوى الكناية من أنواع المجاز بدليل ذكرها بعده وهو الأقرب.
ثم أشار إلى سبب المبالغة التي زاد بها المجاز والكناية عن مقابليهما فقال (لأن الانتقال) أي : إنما قلنا إن المجاز والكناية أبلغ من مقابليهما ؛ لأن الانتقال (فيهما) أي : في المجاز والكناية إنما هو (من الملزوم إلى اللازم) فلا يفهم المعنى من نفس اللفظ ، بل بواسطة الانتقال من الملزوم إلى اللازم ، أما في المجاز فظاهر ، وأما في الكناية فلأن اللازم الذي قيل : إن الانتقال فيها منه إلى الملزوم قد تقدم أنه ما دام غير ملزوم لم ينتقل منه ، فصح أن الانتقال فيها من الملزوم أيضا ، وإذا كان الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم (فهو) أي : فذلك الانتقال الذي به حصل فهم المراد منهما يجري إثبات معناهما لأجله (كدعوى) ثبوت (الشيء ببينة) ووجه كونهما كالدعوى بالبينة أن تقرر الملزوم يستلزم تقرر اللازم ؛ لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم فصار تقرر الملزوم مشعرا باللازم والقرينة مقررة له أيضا ، فصار كأنه قرر مرتين على ما نحققه ، وإنما قال : كالدعوى ولم يقل إن فيهما نفس الدعوى بالبينة للعلم بأن الملزوم فيهما لم يسق ليستدل به على ثبوت اللازم بعد تسليم الملزوم ، وإنما هنا تركيب استعمل في اللازم حيث يكون المجاز تمثيلا وحيث يكون غيره ، فإنما هناك حكم على لفظ الملزوم أو حكم به لينتقل منه إلى أن المحكوم عليه أو به هو اللازم بمعونة اللزوم والقرينة ، فمضمون الكلام المجازي والكنائي إنما هو الدعوى لا إثباتها بالدليل ، لكن لما كان ذكر الحكم الذي هو الملزوم ، أو الحكم على لفظه أو به فيه إثبات الحكم في الجملة والقرينة تقتضي إثبات اللازم أو الحكم للازم أو به بمعونة اللزوم صار كأنه أثبت مرتين ، فيكون فيه تأكيد الإثبات ، ومن المعلوم أن إثبات الشيء بالدعوى ثم إثباته بالدليل يتضمن إثباتين فصار الملزوم أو الحكم على لفظ الملزوم أو به مع القرينة المقتضية لكون الملزوم إنما المراد به اللازم والحكم إنما هو على اللازم أو به يشبه الحكم بالدعوى والبينة في أن كلا منهما فيه