مراعاة النظير
(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (مراعاة النظير) أي ما يسمى بمراعاة النظير (ويسمي التناسب والتوفيق) والائتلاف والتلفيق (أيضا) ويؤخذ من معناه وجه التسمية كما سيذكر الآن (وهو) أي المسمى بمراعاة النظير (جمع أمر وما يناسبه) أي أن يجمع بين أمرين متناسبين أو أمور متناسبة (لا بالتضاد) بل بالتوافق في كون ما جمع من واد واحد لصحبته في إدراك ، أو لمناسبة في شكل ، أو لتوقف بعض على بعض ، أو ما أشبه شيئا من ذلك ، وبهذا القيد خرج الطباق ؛ لأنه جمع بين أمرين متفقين فأكثر بالتضاد ، وقد تقدم أن المراد بالتضاد مطلق التقابل ، ومطلق التنافي في الجملة ، ولما كان في هذا الجمع رعاية الشيء مع نظيره ، أي : شبهه أو مناسبه سمي مراعاة النظير ، والجمع في هذا الباب أيضا قد يكون بين أمرين (نحو) قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (١) أي : يجريان بحساب معلوم المقدار في قطعتهما للأبراج والأدراج الفلكية لا يزيدان عليه ولا ينقصان ذلك تقدير العزيز العليم ، فقد جمع بين أمرين ، وهما الشمس والقمر ولا يخفى تناسبهما.
(و) قد يكون ذلك الجمع بين أمور ثلاثة (نحو قوله) في صفة الإبل المهازيل (كالقسي) (٢) جمع قوس وهي معلومة (المعطفات) أي المنحنيات ، وهو وصف القوس بالتعطيف من باب الوصف الكاشف أو المؤكد ؛ إذ لا يكون إلا كذلك (بل) هي ك (الأسهم) جمع سهم (مبرية) أي : منحوتة ، ووصفها بالنحت أي النجارة كوصف القوس بالتعطيف (بل) هي ك (الأوتار) جمع وتر وهو الخيط الجامع بين طرفي القوس فقد جمع بين أمور ثلاثة متناسبة لتقارنها غالبا في الخيال ، وهي القسي والسهام والأوتار ، قيل : القصد من تشبيه مهازيل الإبل بهذه الأشياء بيان انتهائها في الهزال ، فشبهها أولا في ضعفها بالقسي ، ثم أضرب إلى تشبيهها بما هو أدق من القسي وهي السهام ، ثم أضرب إلى ما هو أدق من السهام وهو الوتر ، وهذا ظاهر غير أن جل
__________________
(١) الرحمن : ٥.
(٢) البيت للبحترى فى شرح عقود الجمان (٢ / ٧٥) ، والتلخيص ص (٨٨) ، المصباح ص (٢٥٠).