تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١) فقد عرف أن العجز هو" يختلفون" من معرفة الروي ، وأنه نون بعد الواو كما كان ذلك قبل هذه الآية وفيما بعدها ، ولو لا تلك المعرفة لتوهم أن العجز هو" فيما فيه اختلفوا" ليطابق قوله : " فاختلفوا" لكن معرفة الروى أعانت على ذلك ، والمراد بالعجز هنا في البيت القافية فيه وهي الكلمة الأخيرة منه وقيل هي من المحرك السابق لساكنين وقعا آخرا وأما العجز من الفقرة فهو ما يماثل القافية من الشعر ومن الإرصاد قوله :
أحلت دمي من غير جرم وحرمت |
بلا سبب يوم اللقاء كلامي (٢) |
|
فليس الذي حللته بمحلل |
وليس الذي حرمته بحرام |
فإنه لو لا معرفة الروى ، ومعرفة أن القافية على وزن فعال لتوهم أن العجز هو أن يقال بمحرم مكان الحرام ؛ لأنه المناسب لقوله : بمحلل ولقوله أحلت وحرمت ، وبهذا علم أن المراد بمعرفة العجز معرفة صيغته وما يختم به ، كما في هذا المثال ، وأن المعرفة قد لا يكفي فيها الروى ؛ لأن الدلالة إنما تمت بمعرفة صيغة القافية ، وأما معرفة مادته في الجملة فلا تكفي ، اللهم إلا أن يكون ثم صيغ يقبلها المحل ، ولم يدل الدليل على مخصوص منها فيكفي المشترك بين تلك الصيغ ، وإنما قلنا : أن المقصود هنا الصيغة ؛ لأنه قد عرف من قوله كلام أن الروي ميم ، وعرف من قوله : أحلت وحرمت وليس الذي حرمته أن مادة العجز من التحريم ، ولم يكف ذلك في كونه إرصادا عندهم هنا لاحتمال أن تكون صيغة العجز أن يقال : بمحرم ، وعينت صيغة القافية الأولى أن الذي يقال هو بحرام لا بمحرم ، فالصواب على هذا أن يقال : إذا عرف الروى أو مع معرفة صيغة القافية أو ما يشبهها من النثر ، كذا قيل : ولك أن تقول : اقتصار المصنف في
__________________
(١) يونس : ١٩.
(٢) البيت في الإيضاح ص (٢٩٧) بتحقيق د / عبد الحميد هنداوي ، ينسب للبحترى.