المعرفة على الروى صحيح ؛ لأن معرفته تستلزم معرفة ما يلازمه ، وذلك كاف في معرفة العجز ؛ لأن المراد معرفة مادة الروى وما يلازمه كما تقدم في كلام وحرام ؛ لأن الألف لازمة ، وأما معرفة خصوص الصيغة من كل وجه فليس بمطلوب على ما ننبه عليه بعد فتأمله.
ووجه تسمية ما يدل على العجز إرصادا ظاهر ؛ لأن الإرصاد كما تقدم نصب المراقب على الطريق ليدل عليه ، أو على ما أتى منه ، وما يدل على العجز نصب ليدل على صيغته وختمه ، وأما وجه تسميته تسهيما فلأجل أن ما وضع كذلك مزيد في البيت أو الفقرة ملازم له ليزينه بدلالته على المقصود من عجزه ، فصار بمنزلة الخطوط في الثوب المزيدة فيه لتزينه ، ثم مثل للإرصاد في الفقرة فقال : وذلك (نحو) قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) فإن مادة العجز دل عليها قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) إذ يفهم منه بعد قوله (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ) أن العجز هو من مادة الظلم ؛ إذ لا معنى لقولنا مثلا : وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم ينفعون أو يمنعون من الهلاك أو نحو ذلك ، ويعين كون المادة من الظلم مختومة بنون بعد واو معرفة الروى الكائن فيما قبل الآية ، إذ قبلها (٢)(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣) فقد ظهر أن الفقر رويها نون قبله واو أو ياء ، وذلك يدل بعد معرفة المادة أنها مختومة بنون قبلها واو أو ياء ، وبه يعلم كما تقدم أنه لا يتعين خصوص صيغة العجز ، وأن الروى
__________________
(١) العنكبوت : ٤٠.
(٢) الذى قبل الآية التى ذكرها المصنف قوله تعالى : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ ..) الآية. ولكن المصنف خلط بين آيتى النحل والعنكبوت ، وآية النحل هي : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.)
(٣) النحل : ٣٠ : ٣٢.