أولا وهو لفظ السادات مقدما ، وقد كان أولا مؤخرا لكن ليس هذا هو المتبادر من العبارة بل المتبادر أنا ذكرناه ثانيا مقدما ، ولذلك قلنا : إنها أصرح.
(ويقع) هذا العكس (على وجوه) أي : على أنواع (منها) أي : من تلك الأوجه (أن يقع بين أحد طرفي جملة وما أضيف إليه) ذلك الطرف بمعنى أنا نعمد إلى المبتدأ مثلا ، وهو أحد طرفي الجملة الخبرية إذا كان ذلك المبتدأ مضافا لشيء فنجعله مضافا إليه ، ونجعل المضاف إليه أولا هو المضاف على أن هذا المضاف هو الطرف الآخر الذي هو الخبر ، فيصدق أنه وقع العكس في أحد طرفي الجملة باعتبار الآخر ومن لازمه اعتباره في كل من الطرفين وذلك (نحو) قولهم (عادات السادات سادات العادات) بمعنى : أن العادة الصادرة من أفعال من هو سيد من الناس هي العادة الحسنى التي تستأهل أن تسمى سيدة العوائد ، فلفظ العادات أحد طرفي هذا الكلام ، وهو المبتدأ منه ، وقد أضيف إلى لفظ السادات ، وقد وقع العكس بينهما بأن قدم منهما ما كان أولا مؤخرا وأخر ما كان مقدما فقدم العادات على السادات أولا ، ثم قدم لفظ السادات على العادات ثانيا ، فصار الطرف الأول الذي هو المبتدأ مضافا إليه في الخبر ، وصار المضاف إليه أولا هو المضاف الذي هو الخبر ، ولا يقال إن هذا العكس ينبغي أن يعد من البديع اللفظي ؛ لأن حاصله أن يقدم لفظ على لفظ ، ثم يؤخر ذلك اللفظ المقدم ، ويقدم ذلك المؤخر ؛ لأنا نقول : استتبع ذلك حدوث معنى آخر ، وبذلك صح الإخبار به عن الأول ، وحدوث معنى في عكس اللفظين يصح الإخبار به أو عنه ، أو التعلق به بما يستظرف وذلك ظاهر ، وقد تقدمت الإشارة لهذا.
(ومنها) أي : ومن الأوجه التي يقع عليها هذا العكس الذي هو نوع واحد من البديع المعنوي (أن يقع بين متعلقي فعلين) كائنين (في جملتين) فالفعل الواقع في جملتين لم يقع فيه نفسه تقديم ولا تأخير ، ولكن وقع فيما بين متعلقيه في الجملتين (نحو) قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) (١) فالفعل الذي هو يخرج هو هو في الجملتين ، وقد تعلق في الأولى بالحي الخارج من الميت ، مثل الدجاج
__________________
(١) الروم : ١٩.